نسبة الفعل إليهم لأجل التكاليف، وذلك القدر ضعيف جدا لا يبكون لأجله الدم ولا الدموع الكثيرة، وهذا الأمر هو بالأصالة للأنبياء، لأن النبوة تأخذ بدايتها من بعد منتهى الولاية.
فالجواب: إن بكاء كل داع إلى الله تعالى إنما هو تشريع لقومه، فيجري الله تعالى عليه صورة الندم حتى لا يسأل يوم القيامة عن تفريطه في شئ من أحوال قومه التي كلفه الله تعالى ببيانها لهم، ولا عن بيان كيفية خروجهم من ذنوبهم إذا وقعوا فيها، ويحتمل أن يكون بكاء الأكابر من باب الفتوة على قومهم فحملوا عنهم ببكائهم ذلك البكاء الذي كانوا مأمورين به بعد وقوعهم في الذنوب، فكانت تلك البركة التي نشأت من بكاء آدم عليه السلام هي دموع بنيه التي كانت متفرقة فيهم ودفعها عنهم، وهذا ما ظهر لي في هذا الوقت من الجواب عن الأكابر، فعلم أن أحدا لا يستغني عن الاستغفار سواء كشف له الحجاب أو لم يكشف فإنه إن شهد له مدخلا في شركة الفعل فالواجب عليه سؤال المغفرة وإن لم يشهد له مدخلا فيه فالواجب عليه أيضا سؤال المغفرة قياما بواجب نسبة التكليف إليه كما قال أبونا آدم عليه الصلاة والسلام مع معرفته بما الأمر عليه من القضاء المبرم الذي لا مرد له * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تفغر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) *.
فلا يخلو حال المستغفر من أحد أمرين: إما تحقيق الذنب، وإما للتشريع ويكون ندمه صورة، فتأمل ذلك وحرره، والله يتولى هداك روى الترمذي، وقال حديث حسن، وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه مرفوعا:
" " ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) * " " الآية.
وفي رواية للبيهقي وابن حبان: " " ثم يصلي ركعتين " ".
وكذلك ذكر ابن ماجة في صحيحه الركعتين ولكن بغير إسناد.
وفي رواية البيهقي مرسلا: " " ما أذنب عبد ذنبا ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى فيه ركعتين واستغفر الله إلا غفر له " ".