وشهواتها والولاة غارقون في حب الدنيا مع زيادة السكر الحاصل لهم من لذة الأمر والنهي والحكم، ولذلك طلب الملوك العادلون أن يكون لهم وزراء، لأن رأي الوزير ربما كان أكمل وأتم من الملوك لكون الوزير أنقص حكما وتصريفا منهم، فلذلك قل سكره، وقال العارفون لا يعرف الشئ إلا من زهد فيه، وفي الحديث:
" " حبك للشئ يعمي ويصم " ".
ولولا ظهور عيب الدنيا للزاهد ما زهد فيها.
فاعمل يا أخي على جلاء مرآتك بإشارة شيخ مرشد إن أردت أن تعرف مراد الحق وطريق الخيرة فيما تفعله في المستقبل، وإنما شاور صلى الله عليه وسلم أصحابه امتثالا لأمر الله تعالى بقوله * (وشاورهم في الأمر) *.
وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أتم خلق الله تعالى رأيا وأوسعهم علما وعقلا، فكانت مشاورته لهم تمييلا لخاطرهم لا عملا بإشارتهم، من غير أن يظهر له صلى الله عليه وسلم وجه الحق في ذلك ولذلك قال تعالى له * (فإذا عزمت على أمر) * يعني على فعل ما أشاروا عليك به: * (فتوكل على الله) * لا على مشورتهم، على أنه لا يقدح في كماله صلى الله عليه وسلم عدم التفاته إلى أمور الدنيا كما قال في مسألة تأبير النخل:
" " أنتم أعلم بأمور دنياكم " ".
يعني التي لا وحي عندي من الله فيها، فافهم.
قال بعض العارفين: ولم يمت صلى الله عليه وسلم حتى صار أعلم الناس بأمور الدنيا اه.
فشاور في جميع الأمور التي تحبها نفسك من يكون زاهدا فيها من العارفين لا من المتعبدين فإن المتعبد ربما نفرت نفسه من الأشياء بحكم الطبع ونفر غيره عنها كذلك ولو كان فيها مصلحة له كما يقع فيه كثير من ترك الكسب واشتغل بالعبادة وقنع بما يتصدق الناس به عليه فتراه يأمر الناس كلهم بترك الأسباب والكسب كذلك يقول لهم، ربكم يرزقكم وغاب عنه أن اعتماد مثله على الخلق لا على الله تعالى، ولو أن هذا الشخص