ولا يحل الخبر عن الله تعالى الا بنص ثابت في القرآن أو عن رسوله المبين عنه عليه السلام، ونحن على بصيرة ويقين من الله تعالى لا يدعنا في عمى من هذا الحكم في الدين لأنه تعالى يقول: (تبيانا لكل شئ وهدى) وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) فنظرنا في ذلك ضارعين إلى الله تعالى في أن يليح لنا الحق في ذلك فلا هدى إلا من قبله تعالى فابتدأنا بالعمد فوجدنا الناس مختلفين فطائفة قالت: لا شئ في العمد الا القود فقط ولا دية هنالك، وقالت طائفة: فيه القود أو الدية فوجدنا الاختلاف في وجوب الدية في العمد في ذلك ثم رجعنا إلى الخطا في ذلك فلم نجد اجماعا متيقنا على وجوب الدية في الخطا في ذلك ثم وجدنا القائلين بالدية في ذلك مختلفين فيما دون الثلث فطائفة قالت: هي في مال الجاني وطائفة قالت: هي على عاقلته فلم نجد اجماعا منهم أيضا في هذا ولم يجز أن يلزم الجاني غرامة لم يوجبها عليه نص ولا اجماع بل قد أسقط الله تعالى عنه الجناح بيقين في ذلك، ولم يجز أيضا أن تلزم عاقلته غرامة في ذلك بغير نص ولا اجماع بل النص مسقط عنهم ذلك بقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) فبطل بيقين أن يجب في الخطا في ذلك شئ لأنه لا نص يبين هذه العشرة على من هي وإذا لم يبين النص ولا الاجماع على من هي فمن الباطل المتيقن أن يكون الله تعالى يلزم غرامة من لا يبين لنا من هو الملزم إياها هذا امر نقطع ونبت ان الله تعالى لم يفعل بنا ذلك قط وهو تعالى القائل متفضلا علينا: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) والآمر تعالى لنا إذ يقول: (ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) إلى قوله تعالى: (مالا طاقة لنا به) والقائل تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وبيقين ندري انه ليس في وسع أحد ولا في طاقته ان يفهم مراد الله تعالى من غير أن يفهمه الله تعالى إياه فسقط أن يكون في الخطأ غرامة أصلا فيما دون النفس فسقط أن يكون في الخطأ في ذلك دية أصلا فرجعنا إلى العمد فلم يكن بد من ايجاب دية الأصابع كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اما على العامد واما على المخطئ أو على عاقلة المخطئ وقد سقط أن يجب في ذلك على المخطئ أو على عاقلته شئ بنصوص القرآن التي أوردنا فلم يبق في ذلك الا العامد فالدية في ذلك واجبة على العامد بلا شك إذ لم يبق الا هو، وأيضا فان الله تعالى يقول: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وكان العامد مسيئا بسيئته فالواجب بنص القرآن أن يساء إليه بمثلها والدية إذ أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفى إساءة مسئ فهي مثل سيئة ذلك المسئ بلا شك، وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا فإذا فاتت المماثلة بالقود في الأصابع وجبت المماثلة بالدية في ذلك *
(٤٣٦)