والذي يوجب وسوسة في النفس أمران: أحدهما احتمال تخلل الاجتهاد في الحكم، وأن الفقهاء إنما أفتوا بالحرمة في الأكل والشرب وسائر الاستعمالات اتكالا على الروايات، سيما مع استدلال الشيخ والمفيد ومن بعدهما كالمحقق والعلامة وأمثالهما من عمد أصحاب الفتوى وأئمة الفن بها.
ومعه كيف يمكن القطع بأن عندهم غير تلك الروايات أمرا آخرا ويكون الحكم معروفا من لدن زمن الأئمة عليهم السلام، وإنما ذكروا الروايات إيرادا لا استنادا واعتمادا، أو أعرضوا عن الروايات الحاكمة عليها، لا رجحوا مفاد ما دلت على التحريم عليها بالتقريبات التي ذكرها المتأخرون.
والحاصل أنه مع الظن الراجح على استنادهم إلى الروايات كيف يمكن القطع بكشف الاجماع عن الدليل المعتبر غيرها، أو عن أخذهم الحكم خلفا عن سلف من غير تخلل اجتهاد.
وثانيهما عبارة الشيخ في الخلاف قال في مسألة (15) من كتاب الطهارة: " يكره استعمال أواني الذهب والفضة، وكذلك المفضض منها، وقال الشافعي: لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة، وبه قال أبو حنيفة في الشرب والأكل والتطيب على كل حال، وقال الشافعي يكره المفضض، وقال أبو حنيفة: لا يكره، وهو مذهب داود، دليلنا إجماع الفرقة، وأيضا روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " لا تأكل في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة " وروى ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه نهى عن آنية الذهب والفضة " وروي عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه نهى عن استعمال أواني الذهب والفضة " انتهى.