وأعجب منه إشكاله الثاني، فإن ما لا شك فيه هو عصير العنب إذا ضم إليه الغليان، لا عصير الزبيب. وأعجب من ذلك إشكاله الثالث، حيث أرجع القضايا التعليقية الواردة في الشرع إلى القضايا التنجيزية المركبة الموضوع، ثم قال: إن القضية التعليقية لازمة عقلا بجعل الحكم على الموضوع المركب.
وثالثة بأن الاستصحاب التعليقي معارض دائما باستصحاب تنجيزي فإن العصير الزبيبي المغلي كما هو محكوم بالنجاسة والحرمة للاستصحاب التعليقي وبعد حصول المعلق عليه كذلك محكوم بالطهارة والحلية الثابتين له قبل الغليان، فأجابوا عنه بحكومة الأصل التعليقي السببي على التنجيزي المسببي، وذكروا في وجهها بما لا يخلو عن مناقشة أو مناقشات.
والتحقيق في تقريرها أن يقال: إن الاستصحاب التعليقي جار بلحاظ حال قبل الغليان، والمستصحب فيه هو القضية التعليقية، فإذا شك في بقائها يستصحب، وأما مفاد القضية المستصحبة فهو أن هذا العصير إذا غلى ينجس ويحرم. وبعد حصول الغليان وضم الوجدان إلى القضية المستصحبة تصير النتيجة أن هذا العصير نجس وحرام، لا أن العصير المشكوك في نجاسته أو حرمته كذا، لأن الاستصحاب لم يجر في المغلي المشكوك فيه، بل يجري في التعليقي بلحاظ قبل الغليان، فيحرز الدليل الاجتهادي في ظرفه.
وأما استصحاب الحل والطهارة إنما يجري في العصير المغلي المشكوك في حليته وطهارته، فالدليل الاجتهادي المستصحب لسانه نجاسة هذا العصير إذا غلى، وبعد الغليان ينتج نجاسة هذا العصير من غير قيد الشك، ولسان استصحاب الحل والطهارة الجاري في المغلى أن المشكوك فيه طاهر وحلال، فالأول بلسانه مقدم على الثاني، وهذا هو السر في تقدم