ويقال في جواب هذا الادعاء: أنه لا خلاف في أن استخدام لفظ التفضيل قد اختلف في الآيات القرآنية، فبعضها يشير إلى تفضيل النعمة كقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) (1)، وقوله تعالى: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) (2)، ولكن بعضها الاخر يشير إلى تفضيل القيمة مثل قوله تعالى: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (3).
ويظهر من سياق الآيات السابقة وجه الفرق في جهة التفضيل، فإن قيمومة الرجل على المرأة أو سعة الرزق إنما تكون فيما يخص أمر المعاش والحياة الدنيوية، أما تقدم المجاهدين على القاعدين فهو يعود للعمل المقرب من الله والثواب الأخروي.
ولذا لابد في التمييز بين جهتي التفضيل هو ملاحظة مضمون الآية وسياقها، وفيما نحن فيه فإن الآية بمضمونها وسياقها تدل على أن التفضيل هنا تفضيل للقيمة، فهي تتحدث عن التفاضل بين الرسل الذين لهم مقامات عالية في القرب من الله عز وجل لا الأمم والناس العاديين، وكذلك تشير إلى وجود جهات للتفضيل بينهم، فمنهم من كلم الله، ومنهم من أيده الله بروح القدس وآتاه البينات، وهذه الجهات لهي من كرامات الله في حق كل واحد منهم ولا يمكن لأي إنسان عادي أن يبلغها، بل لم يبلغها أي نبي غير الذي اختص بها، فهي من مختصات بعضهم دون الاخر، ويشهد لذلك ما ذكرناه سابقا من رواية العياشي في تفسيره عن الامام الصادق عليه السلام (4).
ويؤيد ذلك أقوال علمائنا في تفسير الآية، فقد قال الشيخ الطوسي:
(إنما ذكر الله تعالى تفضيل بعضهم على بعض لأمور: منها أن لا يغلط غالط منهم فيسوي بينهم في الفضل كما استووا في الرسالة...) (5)، وتبعه على ذلك الطبري في تفسيره (6).
وقال العلامة الطباطبائي:
(وفيه دلالة على التفضيل الإلهي الواقع بين الأنبياء عليهم السلام ففيهم من هو أفضل وفيهم من هو مفضل عليه، وللجميع فضل فإن الرسالة في نفسها فضيلة وهي مشتركة بين الجميع، ففيما بين الرسل أيضا اختلاف في المقامات وتفاضل في الدرجات مع اتحادهم في أصل الفضل وهو الرسالة، واجتماعهم في مجمع الكمال وهو التوحيد، وهذا بخلاف الاختلاف الموجود بين أمم الأنبياء بعدهم فإنه اختلاف بالايمان والكفر والنفي والاثبات، ومن المعلوم أن لا جامع في هذا النحو من الاختلاف، ولذلك فرق تعالى