وفي هذا الجانب يقول الامام الخميني (رضوان الله عليه):
في القرآن أيضا آيات كثيرة لا نعلم مرادها مثل أوائل السور، فما هو المعنى الصحيح الذي لديكم لهذه الآيات: (ألم، المر، حم، حمعسق، كهيعص، ق، ن) ومثيلاتها؟ وهنا لابد أن نلفت القراء إلى نكتة يجب معرفتها لحل الكثير من الاشكالات، وهي أنه قلنا أن الأحاديث أساسا على قسمين، إحداهما الأحاديث التي لها جانب عملي وهي القوانين الموضوعة للعيش في هذا العالم أو ذاك العالم، والأخرى هي الأحاديث التي لا يوجد لها جانب عملي، وهي ليست من قبيل القوانين الحكومية والعسكرية وأمثالها التي يجب أن تخضع للتنفيذ والتطبيق مثل الأحاديث الواردة في باب القضاء والقدر، والجبر والاختيار، أو في باب الهيئة والنجوم ونظائرها، وفي القرآن كذلك ورد هذان الصنفان من الآيات، أحدهما الآيات العملية التي يجب على عامة الناس العمل بها وأن تقع موضع التنفيذ في البلد، والاخر الآيات العلمية التي ليست كذلك، وعليه فلابد في الأحاديث والآيات التي من القسم الأول بما أن عمومية وجاءت للعمل أن تتفق مع فهم العموم وليس فيها طريق للتأويل والتوجيه، وبالطبع فالقانون الذي يدون لبلد ما يجب أن لا يوضع بشكل لا يفهمه أهالي ذلك البلد، نعم من الممكن أن يكون توضيح القانون وشرحه محتاجا أيضا إلى علماء، ولكن هذا أمر غير التأويل، أما الآيات والأحاديث التي ترجع إلى العلميات وليس لها جنبة عملية فلا يلزم على المتحدث أن يتكلم بطريقة يفهمها الكل، بل من غير الممكن أن تبين هذه الأمور بما يتلائم مع فهم العموم. مثلا قد يريد طبيب أحيانا أن يكتب دستورا لأهالي البلد للمحافظة على الصحة، فهو مضطر لان يكتبه بطريقة تفهمها العامة لان هذا الدستور من أجل العمل به، ولكنه أحيانا يريد أن يؤلف كتابا علميا، فمن الطبيعي أن لا يستطيع أن يكتبه بأسلوب يفهمه جميع الناس، فالكتاب المبتني على قواعد علمية دقيقة جدا يكتب لا محالة إلى مجموعة من العلماء ولا يحق للآخرين التدخل فيه، ولو أنهم كانوا جهلة بمحتواه فإنهم لا يعترضون على مؤلفه بأنك لماذا لم تكتبه بأسلوب يفهمه حتى المشتغلين بحمل الأمتعة وحفظ ملابس المستحمين!!
والقرآن والحديث عرضا القوانين العلمية التي جيء بها للطبقة العامة بشكل يفهمه الناس، لكن علوم القرآن والحديث لا يمكن لأي شخص أن يفهمها ولم تأت لأي شخص، بل إن بعضها يعتبر رمزا بين المتكلم ومجموعة معينة، كما هو الامر في الدولة عندما تبعث بالبرقيات الرمزية التي ليس من صلاح البلد انكشافها، حتى العاملين في قسم البرقية لا يفهمون من أمرها شيئا، وفي القرآن توجد مثل هذه الرموز، وبحسب الروايات فإن جبرائيل الذي نزل بالقرآن لا يعلم معناها، ونبي الاسلام وكل من قام بتعليمه فقط هم القادرون على كشف رمزها مثل الحروف المقطعة