الاحراق أو وقوعه، فإنها لم تشتمل على إنه لم يتعرض لهم وتركهم على حالهم كما ادعاه الخصم، ولا على إنهم يترددون عند أبي بكر ويدخلون في المشاورات، وتدبير الجيوش، ولا عذر أبي بكر بخوف الفتنة من الأنصار، ونحو ذلك. راجع ما رواه البخاري في غزوة خيبر المشتمل على كيفية البيعة. وما رواه مسلم في باب قول النبي صلى الله عليه وآله: (لا نورث ما تركناه صدقة)، وظني إن غيرهما من صحاحهم لم يشتمل على ما ذكره، إذ لم ينقله عنها ناقل بحسب التتبع، بل اشتمل حديث البخاري ومسلم على أن عمر خاف على أبي بكر من دخوله وحده على علي. وهذا مما يقرب وقوع الإساءة منهم إليه، كقصد الاحراق ونحوه، ومن الجفاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام ما اشتمل عليه هذان الحديثان من أن المسلمين كانوا إلى علي قريبا حين راجع الامر بالمعروف، فإنه دال على أنه كان فاعلا للمنكر مخالفا للشرع لما لم يبايع أبا بكر. وهذا تكذيب لله سبحانه بشهادته له بالطهارة، وتكذيب للنبي صلى الله عليه وآله بشهادته له بأنه مع الحق والحق معه يدور حيث دار، فتبا لأولئك المسلمين الذين بعدوا عن سيدهم وعبد الله حقا وأخي نبيهم عليه السلام ووصيه، وما زال أولئك المسلمون بعداء عن ذلك الامام الأعظم إلى زماننا هذا، حتى جاء شاعرهم المصري (1) في وقتنا فافتخر بما قاله عمر من التهديد بإحراق بيت النبوة وباب مدينة علم النبي وحكمته وقال:
وقوله لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها من كان مثل أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها؟!
وقد ظن هذا الشاعر أن هذا من شجاعة عمر وهو خطأ، أو لم يعلم أنه لم تثبت لعمر قدم في المقامات المشهورة، ولم تمتد له يد في حروب النبي الكثيرة، فما ذلك إلا لأمانة من علي عليه السلام بوصية النبي صلى الله عليه وآله له بالصبر، ولو هم به لهام على وجهه واختطفه بأضعف ريشة.
وأما قول الخصم: فإن أصحاب الصحاح اتفقوا على أنه لما ولى الخلافة إلى آخره، فالظاهر كذبه، إذ لم أجده فيما اطلعت عليه من صحاحهم ولا نقله عنها ناقل، بل المنقول عنها خلافه) (2). ولقد أحسن وأجاد، (ورماه بأقحاف رأسه).