ويؤيد عدم وقوف أمير المؤمنين عليه السلام موقف المتفرج من كل ما يرتبط بمسألة الكرامة والشرف والحق الخاص الذي لم يؤمر ولم يوص من النبي صلى الله عليه وآله بالصبر عنه ما رواه الطبري في دلائل الإمامة من قصة دفن علي للزهراء عليها السلام خفية في الليل، وجاء في الرواية: (وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم يختلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها! بل ولم تعرفوا قبرها! فقال ولاة الامر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا قد احمرت عيناه، ودرت أوداجه وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع، فسار إلى النار من أنذرهم، وقال: هذا علي بن أبي طالب كما ترونه، يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الامرين. فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه وقال له: ما لك يا أبا الحسن، والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها، فضرب علي عليه السلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض، وقال له: يا بن السوداء، أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فو الذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم، فإن شئت فاعرض يا عمر، فتلقاه أبو بكر فقال: يا أبا الحسن، بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه، فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه. قال: فخلى عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك) (1). ومن الأمور الباعثة على الحيرة إثارة (فضل الله) لهذه الشبهة، وذلك لان إثارتها تعني أنه غير مطلع على روايات الاعتداء التي جاء فيها جواب هذه الشبهة، لأنه لا يعقل أن يثير إنسان اعتراضا على موضوع ويكون جواب اعتراضه مذكورا في نفس الموضوع، هذا من جهة، ولكننا نلاحظ من جهة أخرى أنه يحاول أن يظهر اطلاعه وخاصة في جوابه السادس وأحاديثه في الأشرطة المسجلة في العامين 95 - 96 على ما جاء في روايات الاعتداء، فلذا فهو متحفظ في الحكم بوقوع الاعتداء وغير متفاعل مع أحاديثه لوجود ثغرات فيها ولمخالفتها للتحليل التاريخي!
جواب الاعتراض الأول:
أما الاعتراض الأول لابن رزبهان فقد أجاب عنه الشيخ المظفر بما يلي: (من الصلف نسبة افتراء هذا الخبر إلى الشيعة مع رواية الكثير من علمائهم وثقاتهم له كالذين نقله المصنف رحمه الله عنهم وغيرهم، ولكن لم يرووا الاحراق، وإنما رووا إرادة الاحراق، ولذا قال المصنف رحمه الله: طلب هو وعمر إحراقه، ولكن الخصم أراد بنسبة الاحراق تفظيع الخبر لتقرب إلى الأذهان استبعاداته التي ذكرها.