ثم لو فرضنا جدلا أن إحراق بيت الزهراء لم يحصل فإن إقرار الشهيد الصدر باقتحام القوم بيت فاطمة عليها السلام يفتح الباب على مصراعيه حول حجم القسوة والبطش المصبوبتين على فاطمة الزهراء عليها السلام ساعة الهجوم، ففاطمة ليست لها حرمة تمنع عمر أن يفعل بها كما فعل بسعد بن عبادة حين أمر الناس بقتله؟ وألم يكن عمر جادا حين أمر بقتل سعد؟ وما الذي يردعه عن قتل فاطمة عليها السلام؟
كما أنه لا توجد أي ملازمة بين ما ذكره الشهيد الصدر من قصد التهديد بالاحراق وبين التحفظ على ما عدا ذلك من المظالم، إذ لابد من الملازمة بين أمرين أن تكون الملازمة بينة وواضحة وقائمة دائما، بمعنى إن الانسان إذا ذكر رواية التهديد بحرق الدار واكتفى بذلك فإن ذلك يلازم دائما التوقف في حصول الاحراق بالفعل وكذلك التوقف في حصول بقية الجرائم، ومثل هذه الملازمة غير موجودة أبدا حتى يصح نسبتها إلى الشهيد الصدر لان الانسان قد يكون في بعض الأحيان بصدد إثبات بعض الحقائق من البحث بغض النظر عن بقية الحقائق، و (فضل الله) يصح له أن يستدل على التحفظ المزعوم إذا كان الشهيد الصدر في معرض البحث عن حصول الاحراق وعدمه وفق الاثبات التاريخي، أو استقصاء جميع الجرائم التي جرت على أهل البيت عليهم السلام، وليست هناك أية إشارة في كلام الشهيد الصدر أن محط بحثه هو ذلك.
وكشاهد على ذلك فإن ابن شهر آشوب المازندراني المتوفى سنة 588 ه يؤكد في كتابه المناقب على مسألة الاعتداء على الزهراء عليها السلام بالضرب وإسقاط الجنين - كما سيأتي -، ولكنه في كتابه متشابه القرآن ومختلفه، يقول تعليقا على قوله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) ما يلي:
(... وقال: رحماء بينهم، والأول قد ظهرت منه الغلظة على فاطمة عليها السلام في كبس بيتها ومنع حقها حتى خرجت من الدنيا وهي غضبي عليه، وقال لخالد بن الوليد: لا تفعل ما أمرتك، وقتل مالك بن نويرة، وأما الثاني فعادته معروفة حتى قال المسلمون:
وليت علينا هذا الفظ الغليظ، وقال هو يوم السقيفة: اقتلوا سعدا، وهو الهاجم على بيت فاطمة...) (1).
فإن هذا القول إذا ألقي على ذي مسكة فإنه لا يعده مناقضا لما ذكره في المناقب، لان المؤلف لم يكن بصدد إثبات كل ما جرى على الزهراء عليها السلام من الظلم حتى يقال بأن اكتفاءه بذكر الهجوم فقط يعني إنكاره لكسر الضلع مثلا.
ولكن (فضل الله) لاستعجاله في الحكم على الأمور من دون ترو وتأن واطلاع كاف ولضعف استدلالاته ولقصور فهمه في معرفة ما بين المسائل من ارتباط (أخذ في ترهات البسابس) وحكم بالتلازم بين ما قاله الشهيد الصدر وبين التشكيك في الاعتداء على الزهراء عليها السلام.