وكذلك روى علي بن إبراهيم القمي بسند صحيح في تفسير قوله تعالى (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) (1) حديثا مقاربا لما ذكره الشيخ المفيد، فقد روى عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عم عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام إنه قال: (لما بويع لأبي بكر واستقام له الامر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله منها فجاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر... ثم تذكر الرواية بأن أبا بكر كتب لفاطمة عليها السلام كتابا بفدك ودفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إن فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فكتبت لها بفدك. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه... فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما باكية حزينة... ودخلت فاطمة إلى المسجد وطافت بقبر أبيها عليه وآله السلام وهي تبكي)، ثم أنشدت أبياتا مقاربة لما أورده الشيخ المفيد في الأمالي (2). فهاتان الروايتان تؤكدان على أن الزهراء عليها السلام بكت على أبيها وعند قبره لبيان مظلوميتها في غصب الخلافة وفدك، ولم تكتف بخطبتها في المسجد وغير ذلك من تحركاتها، كما أنها بينت بالشعر الذي أنشدته حجم المصيبة الواردة على أهل البيت عليهم السلام، فقد لقوا من المصائب ما لم يلقه أحد من العرب أن العجم. كما أن الزهراء عليها السلام تؤكد في البيت الأخير على أنها ستظل تبكي على أبيها ما دامت على قيد الحياة وما دامت العين تذرف دمعها، وفيه الدليل الشافي على أن كثرة البكاء بحيث يستوعب العمر كله لا يتنافى مع الصبر. إن بكاء الزهراء عليها السلام على أبيها عند ظلمهم إياها يحمل في طياته رسالة إلى الجميع تقول: إن القوم الذين غصبوا حقي وحق زوجي قد خانوا العهد والأمانة والبيعة، وإنهم قد انقلبوا على أعقابهم بعد موت أبي رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنهم كانوا يتربصون بنا الدوائر، فوجدوا في وفاة أبي أفضل فرصة للتنفيس عن حقدهم وغضبهم علينا، ولو كان أبي موجودا لما تجرؤوا أن يفعلوا بنا ما جرى علينا. ولهذا نجد أن فاطمة الزهراء عليها السلام عندما قصد القوم بيتها وهددوا بإحراقه إن لم يخرج أمير المؤمنين عليه السلام منه ليبايع كانت ترفع صوتها مخاطبة أبيها: (يا أبتاه يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من أبي بكر وعمر).
فلذا ما ذكره (فضل الله) في جوابه السادس بأن (الأحاديث الواردة في كلامها وعن بكائها استهدفت إثارة ذكرى رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم تثر شيئا آخر) باطل من أساسه، وبه يعلم التفاوت ما بين مستند من أتعب نفسه في طلب العلم حتى تخرج على يديه المجتهدون والفضلاء كآية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظله) وبين من لم يعرف منه إلا حفظ بعض المصطلحات... ولقد (عرف النخل أهله).