عباد مكرمون معصومون بإجماع علماء الشيعة وبنص القرآن، فكيف يقع بينهم التشاجر والتنافس؟ والقرآن يقول في وصفهم عليهم السلام: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)، وقوله: (... عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)، وقوله: (كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون). ويقول الشيخ المفيد: أقول: إن الملائكة مكلفون... وأقول: إنهم معصومون مما يوجب لهم العقاب بالنار، وعلى هذا جمهور الامامية. وهذا مما لا يخفى على المبتدأ من طلبة العلم فكيف خفي ذلك على سماحة المراجع المعظم المولى الحاج ميرزا عبد الرسول الأحقاقي؟
وكيف جاز أن تنسب مثل هذه المخالفة الصريحة للصديقة الطاهرة عليها السلام؟
هذا ويقال للمولى الميرزا عبد الرسول: لا يخلو الامر أن الشجار الذي وقع بين الملائكة إما أن يكونا على حق أو على باطل أو أن بعضهم على حق والبعض الاخر على باطل، فإن قال: أنهما معا على حق فهو باطل لا يقول به من له مسكة من العلم لان الحق واحد، ولاجل ذلك لا يحتاج إلى من يحكم بينهما، لان كلا من المتشاجرين على حق، وإن كانا معا على الباطل فهو مخالف لصريح القرآن من أن الملائكة عباد مكرمون معصومون، هذا أولا، وثانيا: كيف يأتمن الله سبحانه على ملائكة يفعلون الأباطيل التي تجرهم إلى التشاجر؟ وأما إذا قلنا أن بعضهم على حق والبعض الاخر على باطل فيأتي في الثاني نفس المحذور أيضا، فاعتماد الميرزا عبد الرسول على مثل هذه الروايات الباطلة لدليل على بطلان ما يذهب إليه في قوله: (والولي المطلق: هو الذي له حق التصرف في شؤون الكائنات...).
فإذا كان اعتماد الميرزا على مثل هذه الروايات الباطلة فالنتيجة تكون كذلك باطلة لبطلان مقدماتها، فالاعتقاد بالولاية المطلقة للأئمة في التصرف في شؤون الكائنات معناه التفويض، وقد مر الكلام في التفويض وحكم الاسلام في المفوضة، ومن هنا يظهر بطلان ما يقوله الميرزا: (بعد توضيح هذا المطلب تحل الاشكالات التي يستشكلها بعض النفوس الضعيفة في أمر الولاية الكلية المطلقة لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله خصوصا أن لنا في هذا الشأن روايات متواترة).
ونحن نربأ بالميرزا عبد الرسول أن يتهم أعلام الشيعة ومفكريهم في قوله: (التي يستشكلها بعض النفوس الضعيفة)، فالذي يدعي التواتر في مثل روايات مدينة المعاجز وما شاكلها من روايات الغلاة التي تخالف النصوص القرآنية وما هو المجمع عليه فلا عبرة بما يقوله، وهل يعقل لمن له مسحة من الايمان أن يعتقد بأن الامام علي عرج به جبرائيل إلى السماء ليحكم بين الملائكة الذين تشاجروا في شئ؟ وهل الملائكة لديهم من الغرائز التي توجب التشاجر؟ سبحان الله كيف خفي على الميرزا عبد الرسول المولى المعظم لذلك) (1).