تصوير الإهمال في مرحلة الإثبات، كما لا معنى له في مرحلة الثبوت.
فالفرق بين المقالتين ينشأ من هنا: وهو أن المتأخرين تخيلوا الحالة الثالثة، وهي حالة الإهمال في مرحلة الإثبات، والقدماء ينكرون عليهم تلك الحالة، ولا ينكرون عليهم إمكان ورود القيد على الموضوع المأخوذ في الدليل، كما هو الواقع بالضرورة.
وبعبارة أخرى: هم يقولون بأن مقدمات الإطلاق إما غير محتاج إليها رأسا، أو حاصلة دائما ومطلقا، نظير ما ذكرناه في النكرة في سياق النفي، فإنها لا تدل على العموم كدلالة " كل " وأمثالها، ولكنها لا تحتاج إلى مقدمات الإطلاق، لأن سياق الكلام يكون على وجه تكون هي حاصلة دائما (1).
قلت: يتوجه إليه نقض بأن كثيرا ما نجد عدم جواز التمسك بإطلاق الدليل، من غير كون الموضوع مقيدا، مثلا لا يجوز التمسك بإطلاق قوله تعالى: * (أحلت لكم بهيمة الانعام) * (2) لتحليل البهيمة التي تكون مال الغير، ولا يجوز التمسك بإطلاق الدليل المتكفل لأصل التشريع، فيعلم من هنا وجود الحالة الثالثة، وهي حالة الإهمال.
وحله: أن إطلاق الموضوع له وإطلاق الوضع، ينفع إذا شك مثلا في صدق اللفظ في مورد، ولا يصح ما يظهر من مشهور المتأخرين - كما أشير إليه - من أن الألفاظ موضوعة للمعاني المهملة (3)، إذا رجع إلى الإهمال في مرحلة الوضع.
وأما إذا شك في حدود الحكم في القضية الإنشائية أو الإخبارية، فلا بد من إثبات الإطلاق الآخر، ولا يعقل كفاية الإطلاق المزبور عن الإطلاق الأخير، لما أن