السعي ولو في الجملة بحيث يتحقق بالمرة بل الظاهر المعلوم اطباقهم على أن المراد التكرار، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا يقبل الانكار. وأما الثالث فإنه لا سبيل إليه أيضا لكونه خلاف الظاهر من اللفظ إذ لا دلالة اللفظ عليه ولا قرينة تؤنس به وتشير إليه، والعدول عن الظاهر يحتاج إلى دليل قاهر. على أنك قد عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى أنه لا وجود لهذا الشرط الذي ذكروه ولا معنى لهذا الاعتبار الذي اعتبروه. وحينئذ فيتعين الثاني وهو المطلوب.
وزاد بعض الأفاضل في الجواب قال: وأيضا الخطاب عام بالنسبة إلى جميع المؤمنين سوء تحقق الشرط المدعى بالنسبة إليه أم لا فعلى تقدير تجويز إن لم يكن المراد بالآية التكرار يلزم ايجاب السعي على من لم يتحقق الشرط بالنسبة إليه ولو مرة ويلزم منه الدوام والتكرار لعدم القائل بالفصل. انتهى.
وبالجملة فإنه لا يخفى على المتأمل بعين التحقيق والمنصف الناظر بالفكر الصائب الدقيق أن هذه المناقشة من المناقشات الواهية المضاهية لبيت العنكبوت وأنه لأضعف البيوت، إذ لا يخفى على من تأمل سياق السورة المذكورة وفعله صلى الله عليه وآله مدة حياته والخلفاء من بعده حقا أو جورا أن المراد من الآية إنما هو التكرار والاستمرار مدى الأزمان والأعصار لا ما توهمه هذا المورد من صدق ذلك ولو مرة واحدة.
الثاني - أن الأمر في الآية معلق على ثبوت الأذان فمن أين ثبت الوجوب مطلقا؟
والجواب أنه يلزم بصريح الآية الإيجاب متى تحقق الأذان ويلزم منه الإيجاب مطلقا لعدم القائل بالفصل واتفاق المسلمين على أن الأذان ليس شرطا لوجوب الجمعة، ولعل فائدة التعليق على الأذان الحث على فعله لتأكد استحباب الأذان لها حتى ذهب بعضهم إلى وجوبه لها. ويحتمل أن يكون المراد من النداء دخول الوقت على سبيل الكناية كما ذكره في الكشاف.
(فإن قيل) لنا إن تعارض ذلك ونقول إنه يستفاد من الآية عدم وجوب السعي عند عدم الأذان ويلزم من ذلك انتفاء الوجوب في بعض صور انتفاء الشرط