و (ثانيا) - تعليله المنع بأن القرار ركن في القيام وجوابه عن ذلك بما ذكره أخيرا، ولا يخفى عليك ما فيه فإن جواز الصلاة في السفينة ربما استلزم القيام بالكلية وترك الركوع والسجود على ما يصح السجود عليه ونحو ذلك، وكل هذه واجبات قطعية كما اعترف به آنفا لا يجوز الاخلال بها اختيارا ولهذا روعيت في الصلاة في السفينة مع الاضطرار، فكيف تكون مغتفرة بالنص كما ادعاه والحال أنه يمكن الاتيان بها على وجهها بالخروج عن السفينة؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة، نعم لو لم يمكن ذلك فلا شك في الجواز ولا خلاف لمكان الضرورة.
و (ثالثا) - أن ما جمع به بين الأخبار من حمل النهي في رواية علي بن إبراهيم على الكراهة والأمر في حسنة حماد على الاستحباب كما هي الطريق المتسع لهم في جميع الأبواب إنما يتم على تقدير تسليم ذلك لو انحصر الجمع بين الأخبار بذلك، وليس كذلك بل الأظهر في الجمع - وهو الطريق الواضح - هو أن يقال إن الروايات التي استدل بها ما عدا صحيحة جميل مطلقة وروايتنا مفصلة وطريق الجمع حمل المجمل على المفصل، وأما صحيحة جميل فقد عرفت الوجه فيها.
ثم إن ما تكرر من الأخبار - من قولهم (عليهم السلام): " أترغب عن صلاة نوح " ونحو ذلك مما يدل على هذا المعنى - فالظاهر أن وجهه أنهم كانوا يظنون عدم جواز الصلاة في السفينة أو نقصانها ولو مع الضرورة فأجيبوا بذلك كما يشعر به صحيح أبي أيوب الخزاز (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنا ابتلينا وكنا في سفينة وأمسينا ولم نقدر على مكان نخرج إليه فقال أصحاب السفينة ليس نصلي يومنا ما دمنا نطمع في الخروج؟ فقال إن أبي كأن يقول تلك صلاة نوح أو ما ترضى أن تصلي صلاة نوح؟ فقلت بلى.. الحديث ". والله العالم.
(البحث الثالث) - في ما يستقبل له وفي أحكام الخلل، فالكلام يقع في مقامين