وأنت خبير بما بين هذه العلامات من الاختلاف فإن العلامة الأولى والثالثة تقتضيان كون قبلة العراقي في نقطة الجنوب والعلامة الثانية تقتضي انحرافا بينا عنها نحو المغرب، ولا يخفى ما فيه من التدافع.
إلا أن بعض متأخري أصحابنا المحققين قسم العراق إلى ثلاثة أقسام فجعل العلامة الأولى والثالثة لأطراف العراق الغربية كالموصل وسنجار وما والاها، وحمل العلامة الثانية على أوساط العراق كالكوفة وبغداد والحلة والمشاهد المقدسة، وأما أطرافها الشرقية كالبصرة وما والاها فتحتاج إلى زيادة انحراف نحو المغرب ولذا حكموا بأن علامتها جعل الجدي على الخد الأيمن.
وقال بعض فضلاء متأخري المتأخرين وهذا التقسيم هو الموافق لقواعد الهيئة فإن طول بغداد على ما ذكره المحقق نصير الملة والدين يزيد على طول مكة بثلاث درجات فقبلتها منحرفة يسيرا عن نقطة الجنوب إلى المغرب والموصل يساوي طولها طول مكة فقبلتها نقطة الجنوب لاتحاد نصف نهاريهما، وأما البصرة فيزيد طولها على طول مكة بسبع درجات ففي قبلتها زيادة انحراف إلى المغرب عن قبلة بغداد فجعلوا علامتها وضع الجدي على الخد الأيمن. انتهى.
أقول: قد صرح أرباب هذا الفن بأن الأقاليم السبعة المسكونة وما فيها من البلدان كلها في النصف الشمالي من الأرض بعد خط الاستواء القاسم للأفق نصفين شمالي وجنوبي، والنصف الجنوبي غير مسكون لاستيلاء الحرارة والماء عليه، والنصف الشمالي المعمور فيه أيضا إنما هو نصفه المتصل بخط الاستواء وهو الذي فيه الأقاليم السبعة والنصف الآخر خراب لشدة البرد. وقد أثبتوا لهذه الأقاليم طولا وعرضا، فالطول عبارة عن طرف العمارة من جانب المغرب وهو ساحل البحر إلى منتهاها من الجانب الشرقي وهي كنك وجملة ذلك من الجزائر مائة وثمانون جزء نصف دائرة عظمي من دوائر الفلك لأن كل دائرة منها مقسومة ثلاثمائة وستين جزء وتسمى هذه الأجزاء درجات، والعرض من خط الاستواء في جهة الجنوب إلى منتهى الربع المعمور