في الثانية، فإن الظاهر أن منشأ هذا السؤال أن السائل توهم أفضلية الوضوء على التيمم لكونه طهارة مائية مقدورة للجنب سابغة على الأعضاء فيحصل بها استباحة ما يحصل بالتيمم الذي هو مخصوص بعدم وجود الماء أو عدم إمكان استعماله، فأجابه (عليه السلام) بأن الواجب عليه شرعا لرفع حدث الجنابة في الحال المذكورة إنما هو التيمم لأنه سبحانه بعد تعذر الماء للغسل وجودا أو استعمالا نقله إلى التيمم لطفا به وكرما كما دلت عليه آية التيمم المتقدمة وقوله تعالى: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. الآية " ألا ترى أنه لمزيد لطفه وعنايته إنما جعل عليه نصف الوضوء يعني مسح المغسول منها وهي ثلاثة دون الممسوح منها وهي الثلاثة الأخرى والوضوء مركب من أعضاء ثلاثة مغسولة وأعضاء ثلاثة ممسوحة. وأنت خبير بأن ما ذكرنا من الكلام في هذه المسألة متجه فيما إذا كان مكلفا بطهارة واحدة فلو كان مكلفا بطهارتين كالوضوء والغسل بناء على المشهور في غسل الحيض والنفاس ونحوهما من وجوب الوضوء معه فإنها لو وجدت ما يكفي للوضوء دون الغسل توضأت عن الأصغر وتيممت بدلا من الغسل، وبذلك صرح جملة من الأصحاب، ولو وجدت ما يكفي للغسل خاصة قدمته وتيممت عن الحدث الأصغر، ويحتمل التخيير هنا لأنهما فرضان مستقلان إلا أن الأحوط الأول. ثم إنه لا يخفى أيضا أن هذا الحكم آت فيما لو تضرر بعض أعضائه بالغسل أو كان بعض أعضائه نجسا ولا يقدر على طهارته بالماء فإنه يتيمم ولا يجزئه تيمم بعض وغسل بعض، لأن الطهارة عبادة شرعية موقوفة على التوظيف من الشارع والذي علم منه أما الماء في الجميع أو التراب في الجميع ولم يرد عنه التبعيض، ونقل في المعتبر عن الشيخ في المبسوط والخلاف أنه قال: ولو غسلها وتيمم كان أحوط. وهو ضعيف لما عرفت.
(الحادي عشر) - اختلف الأصحاب في من وجد من الماء ما لا يكفيه للطهارة إلا بمزجه بالمضاف على وجه لا يسلبه الاطلاق فهل يجب المزج والطهارة به أم يجوز له ترك المزج والانتقال إلى التيمم؟ فذهب جمع من المتأخرين: منهم - العلامة