وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: (الأول) - ما نقل عن فخر المحققين ابن العلامة (طاب ثراهما) من أنه منع من استباحة اللبث بالتيمم في المساجد لقوله تعالى:
" إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (1) حيث جعل نهاية التحريم الغسل فلا يستباح بغيره وإلا لم تكن الغاية غاية، وألحق به مس كتابة القرآن لعدم فرق الأمة بينهما، ويلزم على كلامه تحريم الطواف على الجنب لاستلزامه دخول المسجد وإن لم يقل به. وأجاب في المدارك عن الآية - بعد الاستدلال على أصل المسألة ببعض الأخبار التي قدمناها - بالمنع من دلالتها على ما ذكره، قال: لأن إرادة المساجد من الصلاة مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة، مع احتمالها لغير ذلك المعنى احتمالا ظاهرا وهو أن يكون متعلق النهي الصلاة في أحوال الجنابة إلا في حال السفر لجواز تأديتها حينئذ بالتيمم، وأيضا فإن ذلك لا ينافي حصول الإباحة بدليل من خارج وهو ثابت كما بيناه. انتهى. أقول: لا يخفى أنه قد ذكر المفسرون لهذه الآية معنيين (أحدهما) - أن المراد لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين فيجوز لك أداؤها بالتيمم، وعلى هذا المعنى بناء كلام المدارك ومرجعه إلى النهي عن الصلاة حال الجنابة، وحينئذ فتكون الصلة هنا مرادا بها معناها الشرعي والمراد بقوله سبحانه " عابري سبيل " يعني مسافرين كما ذكره.
و (ثانيهما) - أن المراد لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب حتى تغتسلوا إلا بقصد المرور فيها والعبور، وعلى هذا المعنى بناء الاستدلال بالآية، وهذا المعنى هو الذي دلت عليه الأخبار المتضمنة لتفسير الآية، فروى الصدوق في العلل في الصحيح عن زرارة وحمد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) (2) قالا: " قلنا له الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن الله تبارك وتعالى يقول: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا. الحديث "