الذين يعاملون غير الله تعالى من وجوه العظم، فيعطي أحدهم عمامته أو جوخته مثلا لإنسان ثم لما يرى منه خللا في حقه يندم على إعطائه ذلك له، وربما يسترجعه منه، لا سيما إن كان في أمله أن الناس يشكرونه على ذلك فلم يشكره أحد ولا مدحه أحد على ذلك، فمن الأدب إذا أعطانا أحد شيئا نعلم بالقرائن أنه يستحلي في نفسه اطلاع الناس عليه أن لا نقبله منه، لأنه كالعبث بالنسبة لنفسه هو، فلا نحن كافيناه بشئ ولا مدحناه على عطائه، ولا أحد من الناس أعطاه شيئا عنا، ولا الحق تعالى أثابه على ذلك، والفقير لا ينبغي له قبول شئ إلا إن رأى المنفعة فيه للمعطي في الدنيا والآخرة فإن قبل شيئا من أحد يعلم منه عدم الإخلاص في عطيته كتب في ديوان الغاشين للأمة المحمدية، وفي الحديث:
من غشنا فليس منا.
وكان سيدي عليا الخواص رحمه الله إذا علم من إنسان أنه ما أعطاه إلا لعلة فاسدة لا يقبل منه شيئا، فإذا قال له يا سيدي أنا خاطري بذلك طيب يقول له أنا خاطري بذلك ما هو طيب، وكان يقول: من علامة عدم الإخلاص في العطية أن يتعدى جاره أو قريبه الأحوج منا ويعطينا، فإذا قبلنا منه ذلك فقد أعناه على مخالفة السنة، فإنها أمرته أن يبدأ بالقريب أو الجار الفقير، ولا يصح العمل بهذا العهد إلا لمن سلك طريق القوم وخلص من محبة الدنيا وصار يتصرف بحسب المصالح الشرعية لنفسه وللمعطي، وأما محب الدنيا فبعيد أن يشم من هذا المقام رائحة إنما هو يلف كل شئ أعطيه ولو علم أن المعطي تعدى جاره الفقير أو قريبه الفقير.
وكان سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي لفقير أن يقبل من أحد صدقة أو هدية إلا إن علم أنه ليس في بلده أحد أحق بها منه، فإن علم أن هناك من هو أحق منه وقبل فقد خان عهد أهل الله تعالى، نسأل الله اللطف.
فاسلك يا أخي على يد شيخ صادق ليعلمك معاملة الله تعالى حتى لا تعطي أحدا شيئا قط تتبعه نفسك والله يتولى هداك.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " الذي يرجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه ليأكله " ".