لما أخبرنا بمعاداتهم لنا فافهم، وإياكم والاعتراض على من رأيته يفخم الكفار ببادي الرأي، بل تربص في ذلك فربما يكون له عذر شرعي في ذلك من خوف أذاه ونحوه كتمييل قلبه لأهل الإسلام أو الإسلام، وأقم العذر لإخواننا المسلمين فإنهم لم يعظموا اليهود والنصارى إلا بعد تقريب الولاة لهم، وجعلهم صيارف ومكاسين وحاكمين على تجاربنا وعلمائنا ومشايخنا في جميع ما يأتيهم من الأنواع التي عليها عادة، فتصير أحمال الواحد منا مطروحة على شاطئ البحر مثلا لا يقدر على تخليصها حتى يأتي المعلم ويفرج عنا، فطاعتنا لهم وتحسيننا لهم الألفاظ إنما هي حقيقة أدب مع الولاة اللذين ولوهم، فاعرف زمانك يا أخي.
وقد كاتبت مرة يهوديا وقلت في مكاتبتي: وأسأل الله تعالى أن يدخل المعلم الجنة من غير عذاب يسبق، فأنكر على بعض الفقهاء وأجاب عني فقيه آخر بأن ذلك في غاية الصواب، لأنه لا يدخل الجنة حتى يسلم فطوينا له وقوع الإسلام قبل دخول الجنة لئلا تنفر نفسه من قولنا له حال محبته الكفر اللهم اجعل المعلم يسلم، فإن قلنا له ذلك يؤذيه كما يؤذينا قوله هو لنا اللهم اجعل فلانا يموت يهوديا، قال تعالى:
* (وكذلك زينا لكل أمة عملهم) *.
وقد حكى القشيري عن معروف الكرخي نحو ما قلناه لما مر عليه جماعة في زورق في دجلة بغداد ومعهم لهو وطرب وخمر يشربونه، فقال الناس له ادع الله عليهم كما تجاهروا بمعاصي الله تعالى، فقال معروف ابسطوا أيديكم وقولوا معي اللهم كما فرحتهم في الدنيا ففرحهم في الآخرة، فقال الناس إنما سألناك يا سيدي أن تدعوا عليهم، فقال كان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم إذا سئل أن يدعو على أحد عدل عن الدعاء عليه ودعا له، ولا يفرح الله تعالى هؤلاء في الآخرة إلا إن تاب عليهم في الدنيا، فانظر كيف طوى لهم رضي الله عنه في هذا الدعاء التوبة.
قال شيخنا شيخ الإسلام زكريا في شرح رسالة القشيري وهذا من حسن سياسة معروف رضي الله عنه فاعلم ذلك والله يتولى هداك.
روى مسلم وأبو داود والترمذي مرفوعا:
" " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " ".