العلماء، وعجزت عن إزالة المنكرات لكثرتها وقلة من يساعد عليها وقلة الولاة الذين يسمعون للعلماء، بل نقول: لو أن العلماء الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في الزمان الماضي عاشوا إلى اليوم لكانوا مثلنا في عدم الإنكار ولكن سبقونا بالزمان.
وقد حكى لي شيخنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري شارح الروض والبهجة رضي الله عنه، أن سفيان الثوري كان يخرج إلى السوق فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فما مات حتى صار يرى المنكر فلا ينكره فقيل له في ذلك، فقال قد انفتح في الإسلام ثلمة فأردنا أن نسدها فانفتح في الإسلام ذروة وانهدمت من أركانه أركان، ثم صار يبول الدم إلى أن مات قهرا.
وبلغنا عن سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يعظ السلطان أيوب وولده السلطان الصالح وينهاهما عن المنكر فيقبلان يده ويقولان له جزاك الله عنا خيرا. وبلغه مرة أن غالب الأمراء الأكابر إلى الآن في الرق لم تعتقهم ساداتهم، فقال كيف يحكم هؤلاء بين الناس؟ فطلع إلى السلطان وقال كل من لم يأتنا بعتاقته بعناه ووضعنا ثمنه في بيت المال فباع منهم جماعة ونادى عليهم في الديوان، ثم أعتقهم السلطان فاجتمعوا على قتله وجاءوا بالسلاح ووقفوا على بابه فخرج إليهم فوقع السلاح من أيديهم هيبة منه، فقال له ابنه الحمد لله الذي لم يقتلوك، فقال والدك أحقر من أن يقتل في إقامة دين الله تعالى.
فانظر حالك يا أخي الآن إذا أمرت قاضيا أو أميرا. وكذلك حكى لي شيخنا شيخ الإسلام زكريا المذكور آنفا، أنه كان يحط على الولاة في خطبته، ويتعرض للسلطان قايتباي بأنه ظالم غاش لرعيته، فتكدر السلطان منه لكون ذلك على المنبر بحضرة الناس والعسكر والعوام، ثم قال له لما انقضت الصلاة والله يا مولانا إنما وعظتك في الملأ مبادرة لنصحك، ثم مسكت يده أو قلت له والله إني خائف على جسمك هذا أن يكون فحما في جهنم، فهل تقدر يا أخي الآن تفعل مثل ذلك مع بعض قضاة السلطان.
وقد كان الشيخ شمس الدين الدمياطي الواعظ بالأزهر يحط على السلطان الغوري على كرسي الوعظ في الجامع الأزهر، فبلغه ذلك فأرسل وراءه بنية أنه يبطش به، فطلع له القلعة وقال له السلام عليك أيها السلطان، فلم يرد الغوري عليه، فقال رد السلام واجب عليك ومن ترك الواجب فسق، فرد السلطان السلام ثم قال له قد بلغنا أنك تحط علينا في المجالس من جهة ترك الجهاد وغيره وليس عندنا مراكب،