وسمعته قبل ذلك يقول: قد صارت بيوت الحكام الآن جمرة من نار ولا بقي فيها واسطة خير إنما همتهم البراطيل ولا يقضون حاجة إلا به وعن قريب يصيرون يأخذون البرطيل من الجانبين ولا يقضون لأحد منهما حاجة ثم إن صاحب الحاجة يطلب منهم أن يردوا له ما أعطاه لهم فلا يعطونه وربما دفعه وضربه غلمانهم وأخرجوه.
وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما لأصحابه ما تصنعون بي إذا انعوجت؟
فقالوا نعلو هامتك بالسيف، فقال بارك الله فيكم هكذا كونوا.
فاعلم أن من الأدب أن نقول إن العمال ما جاروا إلا بحسب جور الرعية على أنفسهم وعلى إخوانهم بالعداوة والبغضاء وعدم قيامهم بواجب الدين فاللوم على الرعية لا على الولاة فلو قدرنا أنه أتانا في مصر نائب من الصالحين وكانت أعمال أهل مصر معوجة فلا تزال أعمالهم تعوجه حتى يصير كالمخطاف، ولو قدرنا أنه أتانا في مصر نائب أعوج وكانت أعمال أهل مصر مستقيمة فلا تزال أعمالهم تقيمه حتى يصير كالرمح وقد بسطنا الكلام على ذلك في عهود البحر المورود.
واعلم أيضا أنه ما كل عالم ولا صالح يقدر على أمر الولاة بالمعروف ونهيهم عن المنكر لاحتياج فاعل ذلك إلى سياسة تامة فيمهد للمنصوح بساط يشهد فيه ما له من المصالح إن استقام وما له من الفساد إن أعوج، ويكون أهل كشف: إذا أخبر ذلك الوالي بحصول أمر له في المستقبل يقع كما قال في ذلك الوقت. وأما إذا لم يكن عنده كشف ولا اطلاع فلا يسمعون له وآخر أمره بعد العناء والتعب أن يمنعوه عن الدخول لهم.
والله عليم حكيم.
روى الترمذي وغيره مرفوعا: " " أبغض الناس إلى الله تعالى وأبعدهم عنه مجلسا إمام جائر " ".
وفي رواية للطبراني مرفوعا: " " أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر " ".
وروى البزار مرفوعا: " " يجاء بالإمام الجائر يوم القيامة فتخاصمه الرعية فيفلجوا عليه فيقال له سد ركنا من أركان جهنم " ".
وقوله فيفلجوا عليه بالجيم: أي يظهروا عليه بالحجة والبرهان ويقهروه حال المخاصمة.
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا:
" " ألا أيها الناس لا يقبل الله صلاة إمام جائر " ".