الشمال أبدا شيئا على أن العلة التي فهمها الصوفية من حديث " " ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى " " يقبلها العقل ولا يردها إذا حملنا أولي النهى على العقل الكامل الذي يحجز صاحبه عن المعاصي، فكما أن الصوفية دائما مع العلة التي هي عدم جمع الدنيا فإن وجدت عندهم تقدموا إلى الصف الأول وإن فقدت تأخروا، فكذلك جمهور العلماء دائرون مع ظاهر أحاديث الشريعة ولو فقدت العلة، كما داروا مع ظاهر الشريعة في مواضع التي وردت على سبب مثل الرمل في الأشواط الثلاثة في طواف القدوم فإن العلة قد زالت، وهي أن الصحابة كانوا يرون الكفار قوتهم وجلدهم حتى بلغ الكفار أنهم سيقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فلذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاضطباع والرمل في الأشواط الثلاثة تكذيبا لما توهمه قريش فيهم.
فعلم أن من جمع العقل والبلوغ على مذهب الصوفية والفقهاء والمحدثين فهو مأمور بالوقوف في الصف الأول، اتفاقا.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي للشخص أن يبادر ويزاحم على الصف الأول إلا إن كان سالما من العيوب الباطنة، التي لو اطلع الناس عليها لحقروه وأخروه، فليتنبه المصلي لمثل ذلك فإن في الحديث " " صفوا كما تصف الملائكة عند ربها " " أي لا يتقدم صغير على كبير ولا مطرود على مقرب بالنظر لاختلاف المراتب واعتبار المشاهد وإلا فالحق تعالى قريب من كل أحد على أحد على حد سواء كما يعرف ذلك من انكشف حجابه لتنزيهه تعالى عن التحيز، فكما لا يتقدم الملك الأصغر في الموقف على الأكبر، فكذلك لا يتقدم مرتكب المعاصي ولو سرا على السالم منها ولو جهرا.
وتأمل يا أخي في المملكة الدنيوية لا يتقدم صغير في حضرة السلطان في موقف الكبير أبدا، ولو أن شخصا من الصغار زاحم ودخل في غفلة مع نقباء الحضرة أخرجوه بعد ذلك وزجروه أشد الزجر.
وقد قال بعض أهل الكشف: إن ترتيب المملكة السماوية على ترتيب المملكة الأرضية حتى أن الملائكة التي تكتب الحسنات تكون على يمين الداخل للحضرة الإلهية وكاتب السيئات يكون على يسار الداخل لها كما في كاتب بيت الوالي وكاتب الجيوش، فإن كاتب السيئات دائما يجلس على يسار الداخل ولو لم يقصد معلم الجيوش الآن ذلك لجهله بالحضرات السماوية.