في الصف المؤخر أن يكون أحدنا كثير الوقوع في المخالفات، كثير الأكل للشهوات بخيلا على الفقراء والمساكين بما زاد عن حاجته بحب الشهوة بالصلاح والعلم ونحو ذلك كما سيأتي في عهد الزهد في الدنيا مرفوعا:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدنيا: " " ولها يجمع من لا عقل له " " رواه الترمذي.
فجعل من يجمع الدنيا مجنونا وهو يؤيد ما ذكره الصوفية، فإن من كان كثير الوقوع في المعاصي والشبهات فهو قليل العقل بيقين لأن العقل ما سمي بذلك إلا لعقله صاحبه عن المخالفات.
فاعلم أنه لا ينبغي على هذا التقدير المعاصي أن يتقدم وائل الصفوف وإنما ينبغي ذلك لمن كان سالما منها.
قلت: ولعل هذا كان مشهد من نقل عنه الوقوف في أواخر الصفوف من الأولياء كسيدي أحمد الزاهد وسيدي مدين وسيدي محمد الغمري رضي الله عنهم، فقد أخبرني جماعة من أصحابهم أنهم لم يروهم قط يصلون في غير الصف الأخير ويقولون: قد بلغنا أن الرحمة تستقر في الصف الأخير [الأول؟؟]، وإذا غفر لأهل صف غفر لمن ورائهم، وربما كانوا يظنون بأنفسهم السوء وأن فيها سائر العيوب.
وقد قيل مرة لسيدي الشيخ أبي العباس الغمري رحمه الله: لم لا تصلي في الصف الأول؟
فقال لست من أهل الصف الأول حتى أتقدم إليه، فقيل له ومن أهله فقال من لم تتطلخ جارحة من جوارحه بذنب أو لم يصر على خطيئة لحظة، فقيل له اعتقادنا فيكم أنكم كذلك بحمد الله فقال أنا أعلم بنفسي ولم يزل يصلي في الصف الأخير إلى أن مات.
وهذا ما عليه أئمة الصوفية الذين تحفهم هيبة الله عز وجل وكشف الحجاب عنهم فلو أقمنا لأحدهم الأدلة على أن يقف في الصف الأول لا يستطيع من هيبة الله عز وجل والحياء منه، وأما ما عليه جمهور الفقهاء والمحدثين فهو مطلوبية الوقوف في الصف الأول لكل بالغ عاقل البلوغ المشهور. فالعقل المشهور الذي بنيت عليه أحكام التكليف، ويميز به بين الحسن والقبيح ولو لم يعمل بعلمه حتى صار معدودا من الفسقة بخلاف البلوغ والعقل في مصطلح أهل الله عز وجل من الصوفية، فإن البلوغ عندهم هو بلوغ الشخص أوج مراتب الكمال في الولاية والعقل عندهم الاشتغال بما هو الأولى في كل وقت حتى لا يكتب عليه كاتب