وكان سيدي محمد بن عنان إذا مرض يخرج للجماعة زحفا ولا يترك صلاة الجماعة، وحضرت أنا وفاته فأحرم بالصلاة خلف الإمام وهو جالس في النزع وقد مات نصفه الأسفل فصلى بالإيماء مع الإمام، فلما سلم أضجعناه فصار يهمهم بشفتيه والسبحة في يده، فكان آخر حركة يده في السبحة طلوع روحه رضي الله عنه.
وكان أخي أفضل الدين رحمه الله يقول: لا أستطيع أن أقف بين يدي الله في الصلاة وحدي أبدا، وقد وقفت بين يديه وحدي مرة فكدت أن أموت من الهيبة كما تحصل الهيبة لمن أدخلوه على السلطان وحده في مجلس حكمه والجنود مصطفة بين يديه، وقد عمتهم كلهم الهيبة وخوف السطوة بخلاف من وقف بين يديه من جملة الناس الواقفين فإنه يستأنس بالناس فلو أن الحق تعالى شرع لنا الوقوف بين يديه على الانفراد لذاب عظم المصلين مع الحضور ولحمهم فكأن مشروعية الجماعة إنما هو رحمة بنا.
قال: وتأمل يا أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى به وزجه جبريل في النور وحده بين يدي الله عز وجل كما يليق بجلاله كيف استوحش حتى أسمعه الله تعالى صوتا يشبه صوت أبي بكر يقول له:
" " يا محمد قف فإن ربك يصلى " " الحديث.
فزالت تلك الوحشة الطبيعية من حيث البشرية وبقي روحا مجردا، فزالت تلك الوحشة [مكرر؟؟] إذ الأرواح لا توصف بالوحشة ولا بالاستيحاش فافهم.
وسمعته أيضا يقول: إنما أكره الصلاة فرادى لأني لا أعلم آداب حضرة الله عز وجل فإذا وقفت مع الناس ربما رأيت أحدا من أهل الأدب مع الله فتشبهت به، ولو أني صليت وحدي ما وجدت أحدا يعلمني شيئا، قال ولكل صلاة أدب جديد، فليس هنا أدب جديد، فليس هنا أدب يتكرر إلا في الصورة لا في الذوق، ثم قال: والله ما أرى نفسي بين يدي الله في الصلاة إلا كالمجرم الذي استحق العقوبة ولم يقبل الملك فيه شفاعة.
واعلم يا أخي أن بعض الناس قد يواظب على الجماعة رياء وسمعة، لا امتثالا لأمر الله عز وجل، فينبغي التفطن لذلك.
وقد حكي أن شخصا من السلف الصالح واظب على صلاة الجماعة في الصف الأول سبعا وعشرين سنة فتخلف يوما عن الصف الأول فوجد في نفسه استيحاشا من ذلك فأعاد الصلاة مدة السبع وعشرين سنة.