وما رأيت في عصرنا هذا أكثر غيرة على عياله من سيدي الشيخ أبي الفضل بن أبي الوفا رضي الله عنه وعن جميع ساداته، كان إذا طلب العيال الحمام ينزلهم بالليل في زورق من الروضة إلى مصر العتيقة، ويقذف بهم وحده ثم يطلع بهم إلى الحمام فيدخله قبلهم ويفتش جميع عطفه من مستوقد والسطوح ثم يخرج من يكون هناك ويغلق باب الحمام ويجلس على بابه حتى يقضين حاجتهن ثم يردهن كذلك إلى المراكب ويطلع بهن إلى البيت ليلا رضي الله عنه.
ويليه في ذلك سيدي الشيخ أبو السعود ابن سيدي مدين رضي الله عنه، كان لا يمكن أحدا مطلقا من دخول بيته لا في مرض ولا غيره.
ويليه في ذلك الأمير الصالح محيي الدين بن أبي أصبغ، رأيته يفعل في دخول الحمام كما كان يفعل سيدي الشيخ أبو الفضل السابق، ورأيته إذا احتاج عياله إلى الفصد لا يستعمل إلا الجرائحي الذي طعن في السن فهؤلاء الثلاثة الذين اطلعت على ضبطهم لعيالهم هذا الضبط فجزاهم الله عن ذلك خيرا آمين.
وليس ذلك ممن باب سوء الظن بالعيال أو بالأجانب وإنما هو تنزه عن مواضع الريبة فيعاملهم معاملة من يسئ الظن من غير سوء ظن فافهم، فإن الكمل لا يراعون جانبا دون جانب فكان في ذلك الفعل مراعاة الجانبين. وممن اطلعت عليها من النساء تخاف على رؤية شخصها وهي في الإزار وتستحي أن يراها أحد وهي خارجة من الخلاء زوجتي فاطمة أم عبد الرحمن رضي الله عنها سافرت بها إلى الحجاز ثلاث مرات، فما أظن أن العكام رأى لها حجما قط من حين خرجت من بيتها إلى أن دخلت مكة المشرفة ثم رجعت إلى بيتها، وكانت تركب في مثل العقبات فوق ظهر القتب داخل الحمل المغطى ونزل نساء الأكابر كلهم في نزول العقبة وطلوعها وهي لم تنزل وما شعرت قط بقضاء حاجتها لا في المحطات ولا في حال السير رضي الله عنها، ولم تركب قط حمارا وقالت لا أستطيع أن يراني أحد حتى الكحال عجزت فيها أنه يرى عينها فلم أقدر عليها ورضيت بالوجع وصبرت حتى زال الرمد وضاق ميق عينها اليسرى عن العين اليمنى إلى الآن، فهذا أمر رأيته منها ولم يبلغني وقوع ذلك لأحد من عيال إخواننا، فالحمد لله رب العالمين على ذلك.
وقد روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ذو محرم منها " ".