وفي حديث آخر: المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
والمنبت: هو الذي حمل دابته فوق طاقتها حتى عجزت واضطجعت، فلا هو قطع طريق السفر، ولا هو أبقى ظهر دابته، فبمجرد ما تغرب الشمس تحن النفس إلى الفطر وتتألم لتأخيره ويكون كالعذاب عليها.
وأما تأخير السحور، فالحكمة فيه عدم التفات النفس إلى الأكل والشرب حين الشروع في الصوم حتى لا يخرج ذلك كمال الصوم، فإن شرط العبودية أن يتوجه المكلف بقلبه وقالبه إلى فعل ما كلف به فإن التفت إلى تمني فعل ما منعه الله منه في الصوم فكأنه دخله بلا قلب والمدار على القلب، فلو أن الشارع أمرنا بعدم تأخير السحور لربما اشتاقت النفس إلى الأكل عند الفجر، فلما آمرنا بتأخيره إلى قبيل الفجر قل التفات النفس إلى الأكل والشرب فدخلت للصوم بكليتها، ومعلوم أن العمل القليل مع الأدب خير من الكثير بلا أدب. وإذا كان العبد عنده التفات إلى الأكل والشرب أول شروعه في الصوم فكيف حاله أواخر النهار، فلا تكاد النفس تنشرح لفعل ما كلفت به أبدا وعبادة المكره لا يقبلها الله تعالى:
ومن هنا كره الشارع قيام العبد للصلاة ونفسه تتوق إلى الطعام.
ومن هنا كره أيضا العلماء الوضوء بالماء الشديد السخونة أو البرودة لنفرة النفس منه ونفرة العبد من العبادة تبعده عن حضرة ربه.
ومراد الشارع بالطهارة تقريبه منها فلا يجتمع التقريب والتبعيد في عمل واحد، فإنه إن حضر هذا غاب هذا.
ومن المعلوم أن الله تعالى أمرنا بالإحسان إلى أنفسنا، ومن الإحسان إليها تعجيل فطرها وتأخير سحورها، فإن فيها جزءا يطلب ذلك وإن لم تعطه عصى عليه وجمع ونازعها في الخروج من الصوم لنيل شهواتها هذا مشهد الكمل، وأما العباد فلا ذوق لهم في مثل ذلك. * (والله عليم حكيم) *.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " ".
وفي رواية لابن حبان في صحيحه: