فاعلم ذلك واسلك طريق القوم إن أردت العمل بهذا العهد على وجه الكمال لتكون من أهل السنة والجماعة، والله يتولى هداك * (وهو يتولى الصالحين) *.
واعلم أن كفران النعم للوسائط مما يحولها، وإذا حولت فلا يقدر من كفرت نعمته أن تجري لك نعمة على يديه:
* (سنة الله التي قد خلت في عباده) *.
لأن كفران النعمة يقطع طريقها، فبتقدير أن من كفرت نعمته لا يؤاخذك، فأنت لا تستحق تلك النعمة فلا بد من وجود صفة الاستحقاق في المنعم عليه، وعدم كفرانه نعمة من كان واسطة فيها من زوج ووالد وسيد ونحوهم، وقد كثر كفران النعم في هذا الزمان من الزوجة والأولاد والأرقاء والمريدين، وبذلك تعسرت عليهم الأرزاق، وكلما تأخر الزمان زاد على الناس الأمر في تعسير الأرزاق وفي تحويلها عنهم بالكلية، لقلة الشكر بالعمل من قيام الليل وغيره حتى تتورم منهم الأقدام، فإن الشكر بالقول ما بقي يكفي لغالب النعم في هذا الزمان لكون الموازين قد أقيمت فيه على الناس لقرب الساعة، وما قارب الشئ أعطى حكمه ولقلة الإخلاص في القول، وقد قال تعالى في حق آل داود:
* (اعملوا آل داود شكرا) *.
ولم يقل قولوا أل داود شكرا، وهذه الأمة المحمدية أولى بأن يشكروا بالعمل لأنهم أعظم نعمة بنبيهم وشريعتهم، فليتنبه من كان غافلا عن ذلك ليدوم الماء في مجاريه.
وقد كان الشيخ عصيفير المجذوب المدفون بخط بين السورين بمصر، كلما رأى حوضا مملوء للبهائم يفتح بالوعته فيسبح على الأرض ويقول للذي يملؤه أنت أعمى القلب، فإن أهل هذا الزمان صاروا لا يستحقون رحمة ولا نعمة لكثرة عصيانهم ومخالفتهم، فقال يا سيدي: إنما هذا البهائم فقال إنها تحملهم إلى مواضع المعاصي فكان يتكلم على لسان أحوال الزمان بلسان الحقيقة دون لسان الشريعة لكونه مجذوبا، وكان مراده مما قاله تنبيه الناس إلى المشي على طريق الاستقامة لتدوم عليهم النعم وإلا فالحق لا يستحقون على الله تعالى شيئا مطلقا، وإنما جميع نعمه عليهم من باب الفضل والمنة. والله تعالى أعلم.