تعالى ببادئ الرأي ولا يضيفها إلى الخلق إلا بعد تأمل وتفكر، عكس من لم يسلك الطريق، فإنه لا يكاد يشهد النعمة من الله تعالى إلا بعد تفكر وتأمل.
فاسلك يا أخي الطريق لتفوز بالأدب مع الله تعالى ومع خلقه كما أمرك، فقال تعالى:
* (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) *.
وقد قرن الله تعالى السعادة بشهود الأمور كلها من الله، وقرن الشر بشهودها من الخلق، ومقام الكمال في السعادة شهود الأمور كلها ببادئ الرأي من الله خلقا وإيجادا، ومن العبد نسبة وإسنادا لأجل إقامة الحدود وكأن لسان الحق تعالى يقول: من قتل نفسا بغير حق فاقتلوه، ولو شهدتم أني قدرت عليه ذلك أو أني أنا الفاعل، كما قال:
* (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) *.
فلا يسعنا إلا امتثال الأمر، وكذلك الحكم على الزنا وشرب الخمر ونحوهما فكأنه قال تعالى من ظهر من جوارحه كذا فافعلوا به كذا، فيقول سمعا وطاعة، وأكثر الناس عمي عن تحقيق هذه المسألة فإما يضيفونها إلى الله تعالى فقط أو إلى الخلق فقط، لكن من يضيفها إلى الله وحده أكبر أدبا ممن يضيفها إلى الخلق وحدهم غافلا عن الله تعالى.
وقد رأيت شخصا من خطاب الجامع الأزهر رسم له السلطان سليم بن عثمان مائة دينار لما صلى الجمعة في الجامع الأزهر وكانت نوبته تلك الجمعة، فجاءه رفيقه ومنعه عن الخطبة ذلك اليوم لأجل المائة دينار، فصار الخطيب الممنوع يحط على المانع وصرت أقول له: إن الله تعالى لم يقسم لك شيئا، فيقول: هذا قد تسبب في قطع رزقي، فقلت له:
ولو تسبب فليس هو بقاطع إنما هو آلة للقدرة الإلهية والحكم لمن حرك الآلة، فحكمت حكم من ضرب بعصا فصار يسب العصا، أو غرف له طعام بمغرفة فصار يمدح المغرفة ويشكرها بين الناس وينسى الفاعل بتلك الآلة، فهذا حكمه على حد سواء عند أهل التحقيق، ولا يخفى ما في ذلك من قلة العقل.
ثم قلت له: أين قولك في الخطبة كل جمعة: والله ثم والله لا يعطي ويمنع ويضع ويرفع إلا الله؟ فقال قطعتني بالحجة، ولو أن هذا سلك الطريق وبني أمره على التوحيد الكامل ما توقف في ذلك ولا احتاج إلى مجاهد ولا عادى أحدا عارضه في طريق وصوله إلى رزقه، بل كان يرى كل شئ عورض فيه أن الله تعالى لم يقسمه له فلا يتعب نفسه.