فقلت له: إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم، وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك، قال علي: المناصفة، قلت: فبأي شئ حرمته؟ قال: يقول الله عز وجل: * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * (سورة البقرة، الآية: 222) وقال: * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * (سورة البقرة، الآية: 223) والحرث لا يكون إلا في الفرج، قلت: أفيكون ذلك محرم لما سواه؟ قال: نعم، قلت: فما تكون لو وطأها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها، أو أخذت ذكره بيدها، أو في ذلك حرث؟ قال: لا، قلت: فيحرم ذلك؟ قال: لا، قلت: فلم تحتج بما لا حجة فيه؟ قال : فإن الله قال: * (والذين هم لفروجهم حافظون) * (سورة المؤمنون، الآية: 5) الآية، قال: فقلت له: هذا مما يحجون به للجواز، إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وما ملكت يمينه، فقلت له: أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك انتهى. وقد أجيب عن هذا بأن الأصل تحريم.
المباشرة إلا ما أحل الله بالعقد، ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه مثلا محلا للزرع، وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر، ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدل بالآية، وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل ولو سلم فقوله تعالى: * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل، فيكون الظاهر بعد هذه الآية الحل، ومن ادعى تحريم الاتيان في محل مخصوص طولب بدليل يخصص عموم هذه الآية، ولا شك أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضا، فتنتهض لتخصيص الدبر في ذلك العموم، وأيضا الدبر في أصل اللغة اسم لخلاف الوجه ولا اختصاص له بالمخرج كما قال تعالى: * (ومن يولهم يومئذ دبره) * (سورة الأنفال، الآية: 16) فلا يبعد حمل ما ورد من الادبار على الاستمتاع بين الأليتين. وأيضا قد حرم الله الوطئ في الفرج لأجل الأذى، فما الظن بالحش الذي هو موضوع الأذى اللازم في زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح، والذريعة القريبة جدا الحاملة على الانتقال من ذلك إلى إدبار المرد. وقد ذكر ابن القيم لذلك مفاسد دينية ودنيوية فليراجع، وكفى مناديا على خساسته أنه لا يرضى أحد أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك إلا ما كان من الرافضة مع أنه مكروه عندهم، وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوض النطفة، وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذوا بها. وقد حكى الإمام المهدي في البحر