ذلك ما أحب فجعل لكل واحد من للأبوين السدس. وأجاب القائلون بالوجوب بأن الذي نسخ الوصية للوالدين والأقارب الذين يرثون، وأما من لا يرث فليس في الآية ولا في تفسير ابن عباس ما يقتضي النسخ في حقه. وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأن قوله: ما حق الخ للحزم والاحتياط، لأنه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصية. وقيل: الحق لغة الشئ الثابت، ويطلق شرعا على ما ينبت به الحكم وهو أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا، وقد يطلق على المباح قليلا، قاله القرطبي. وأيضا تفويض الامر إلى إرادة الموصي يدل على عدم الوجوب، ولكنه يبقى الاشكال في الرواية المتقدمة بلفظ: لا يحل لامرئ مسلم وقد قيل: إنه يحتمل أن راويها ذكرها بالمعنى وأراد بنفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح، وقد اختلف القائلون بالوجوب فقال أكثرهم: تجب الوصية في الجملة، وقال طاوس وقتادة وجابر بن زيد في آخرين: تجب للقرابة الذين لا يرثون خاصة. وقال أبو ثور: وجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص به كالوديعة والدين ونحوهما، قال: ويدل على ذلك تقييده بقوله: له شئ يريد أن يوصي فيه. قال في الفتح: وحاصله يرجع إلى قول الجمهور أن الوصية غير واجبة بعينها وإنما الواجب بعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير، سواء كانت بتنجيز أو وصية، ومحل وجوب الوصية إنما هو إذا كان عاجزا عن تنجيزه ولم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادته، فأما إذا كان قادرا أو علم بها غيره فلا وجوب، قال: وعرف من مجموع ما ذكرنا أن الوصية قد تكون واجبة، وقد تكون مندوبة فيمن رجا منها كثرة الاجر، ومكروهة في عكسه، ومباحة فيمن استوى الأمران فيه، ومحرمة فيما إذا كان فيها إضرار كما ثبت عن ابن عباس: الاضرار في الوصية من الكبائر رواه سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح، ورواه النسائي مرفوعا ورجاله ثقات. وقد استدل من قال بعدم وجوب الوصية بما ثبت في البخاري وغيره عن عائشة: أنها أنكرت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى وقالت: متى أوصى وقد مات بين سحري ونحري؟ وكذلك ما ثبت أيضا في البخاري عن ابن أبي أوفى أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوص. وأخرج أحمد وابن ماجة قال الحافظ بسند قوي عن ابن عباس في أثناء حديث فيه أمر النبي
(١٤٤)