وجه الشبه فيما جرى على الزهراء عليها السلام والامام الحسين عليه السلام وإن كانت هناك فروق بينهما في المقام، فقد أتم الامام الحسين عليه السلام الحجة على جيش يزيد حيث عرفهم بنفسه وأهدافه قبل القتال، ومع كل ذلك وقعت المصيبة العظمى ولم تحل معرفتهم لمقامه من ارتكاب ما فعلوا.
ثالثا: وبناء على ما مر فإنه ليس هناك أي استبعاد ومانع من ضرب الزهراء عليها السلام، فمن لا يكترث بمقام النبي صلى الله عليه وآله ويوجه له تلك الإهانة مع إصراره على موقفه لا مانع لديه أن يوجه إهانة إلى بنت النبي ويهدد بحرق البيت ومن فيه وإن كانت فيه فاطمة، ولذا فوجود أفراد في المهاجمين قد انصرفوا أو اعترضوا أو بكوا لا يعني وجود مانع من ارتكاب عمر وجماعته لجريمتهم - كما فعلوا ذلك من قبل بمحضر النبي صلى الله عليه وآله -، فالمهاجم سواء بقي أم انسحب لم يحفظ حرمة بيت الزهراء عليها السلام بمحاصرته والهجوم عليه، فلا يصح القول أن بعض المهاجمين قد احترم الزهراء عليها السلام بل الصحيح أن بعضهم كان أقل إجراما من الاخر، ووجود الاعتراض من البعض يعني عدم استعدادهم لارتكاب الجريمة الأكبر لا أنهم مستعدون للتصدي لمنعها.
وكما هو معلوم ومشهود فإن المجرمين يتفاوتون في نوعية الجرائم التي يرتكبونها وإن اشتركوا في أصل ارتكاب الجريمة، ومن يرتكب الجريمة يضعف وازعه عن منع ارتكاب الجريمة الأكبر، وهذا ما وقع من المهاجمين غير المقتحمين للبيت فهم ما بين منسحب ومتفرج، وكما لم يؤثر بكاء أهل الكوفة تأثرا على ما جرى على الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته من منع سبي أهل بيته بتلك الصورة المخزية فلم لا يكون الامر كذلك مع ما جرى مع الزهراء عليها السلام، فالبكاء تأثرا من وضع عاطفي معين لا يكفي لمنع الجريمة، فأبو بكر بكى عندما أخبرته فاطمة الزهراء عليها السلام عن عدم رضاها عنه، ولكن ذلك لم يؤثر في إرجاع فدك إليها.
و (فضل الله) يريد من خلال وجود قوم قد اعترضوا على عمر عند تهديده بحرق البيت لوجود فاطمة فيه أن ينفي اقتحام الدار والاعتداء على الزهراء عليها السلام مع أنه لا توجد أي ملازمة بينهما، فلماذا المراوغة في قبول الحقائق وركوب بنيات الطريق والتعلل بالأباطيل؟!
ومن المناسب الإشارة هنا إلى أن (فضل الله) اعتبر - في شريطه المسجل - مجيء الشيخين لطلب المسامحة من الزهراء تأكيدا لما يتبناه من التحليل التاريخي من احترام المسلمين للزهراء عليها السلام مع أن فعلها له دلالة معاكسة لذلك، فهو يدل على حدوث ظلامة كبرى على الزهراء عليها السلام وإعلان معارضتها للسلطة وغضبها عليهما، وأما إذا كان يقصد إن الذي حدث من زيارتهما تصفية للقضية وحلا سلميا لها فلماذا لم يرجعا إليها فدكا، ولماذا لم تصرح بكلمة تشير إلى رضاها عنها، بل أصرت على موقفها منهما!