فإذا بلغت الوقاحة بالقوم إلى هذا الحد فما هو وجه الاستبعاد في ارتكاب ما هو دون ذلك من الظلم، هذا أولا.
أما ثانيا: فإن الأساس الذي ينبغي الارتكاز عليه هو إثبات أو نفي وقوع الظلم عليها بالأدلة العلمية التاريخية لا بالتحليلات الاستحسانية والآراء الذوقية، فلو أردنا أن نبني معتقداتنا على تلك الاستحسانات لما بقيت لنا أي حقيقة تاريخية، فيأتي شخص وينفي إجبار القوم عليا على البيعة لما كان يحتله أمير المؤمنين عليه السلام من احترام عند رسول الله صلى الله عليه وآله وعند باقي الصحابة لينتزع بعد ذلك نتيجة من هذه المقدمة الفاسدة تقول إن سكوت أمير المؤمنين عليه السلام كان رضا بخلافة القوم إذ لم يكن مجبرا ولا مكرها (فمن يقدر على إكراه علي!)، وينفي ثان استشهاد الامام الحسين عليه السلام لأنه من المستبعد أن يقتل المسلمون حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد كان يحظى بحب النبي صلى الله عليه وآله الشديد وعنايته الخاصة وخصوصا إنه قد قال فيه وفي أخيه (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، بل إن هذا المنهج سينسف الأسس التي يبتني عليها مذهب أهل البيت عليهم السلام، فيقول قائل: إ ن الخلفاء الأوائل لم يغتصبوا حق الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام لما كانوا يكنونه له من احترام ولما كان يحتله الامام عليه السلام من موقع، بل كان هناك تنسيق بينهم في هذا الخصوص!
والنتيجة إن مقام الصديقة الزهراء عليها السلام ومكان الامام علي عليه السلام في قلوب المسلمين ومكانتهما في المجتمع الاسلامي لم يكن أعظم من مقام النبي صلى الله عليه وآله، ومع ذلك فقد تمكن عمر وجماعته من منع النبي صلى الله عليه وآله عن كتابة كتاب (لن يضل المسلمون بعده أبدا)، وبأسلوب فظ غليظ، إذ قال في وجه النبي: (إن الرجل ليهجر)، وإذا كان (فضل الله) يستبعد وقوع الظلم على الزهراء لان المسلمين كانوا يقدرونها بعد أن رأوا النبي صلى الله عليه وآله يقدرها فماذا يمكن أن يقول عندما قام جمع بمرأى من غيرهم بإهانة نبيهم وهو على فراش الموت؟!
وهل بقي بعد التجاوز على مقام الرسول صلى الله عليه وآله احترام لاحد من أهل بيته؟! وهل يصح بعد كل هذا أن يقول فضل الله إنه احتمال تحليلي علمي، فأي بعد ووجه علمي في هذا الاحتمال المتهافت الذي ينقض نفسه؟