الماء الربى واستولى على سوء المزاج المنحرف وتوالت الأمراض وأعوز الشفاء لبقاء السبب والعجز عن دفعه وهي هذه المداخلة جعل الله عاقبتها إلى خير ولم أترك وجها من وجوه الحيلة الا بذلته فما أغنى عنى شيئا ولولا أنى بعدكم شغلت الفكر بهذا التأليف مع الزهد وبعد العهد وعدم الالماع بمطالعة الكتب لم تتمش من طريق فساد الفكر إلى هذا الحد وآخر ما صدر عنى كناش سميته باستنزال اللطف الموجود في أسر الوجود أمليته في هذه الأيام التي أقيم فيها رسم النيابة عن السلطان في سفره إلى الجهاد بودى لو وقفتهم عليه وعلى كتابي في المحبة وعسى الله أن ييسر ذلك ومع هذا كله والله ما قصرت في الحرص على ايصال مكتوب إليكم اما من جهة أخيكم أو من جهة السيد الشريف أبى عبد الله حتى من المغرب إذا سمعت الركب متوجها منه فلا أدرى هل بلغكم شئ من ذلك أم لا والأحوال كلها على ما تركتموها عليه وأحبابكم بخير على ما علمتم من الشوق والتشوف والارتماض على مفارقتكم ولا حول ولا قوة الا بالله والله يحفظكم ويتولى أموركم والسلام علكيم ورحمة الله من المحب الواحش ابن الخطيب في ربيع الثاني من عام احدى وسبعين وسبعمائة وبباطنه مدرجة نصها سيدي رضى الله عنكم استقر بتلمسان في سبيل تقلب ومسارعة مزاج تعرفونه صاحبنا المقدم في الطب أبو عبد الله الشقوري فإذا اتصل بكم فأعينوه على ما يقف عليه اختياره وهذا لا يحتاج معه إلى مثلكم عنوانه سيدي ومحل أخي الفقيه الجليل الصدر الكبير المعظم الرئيس الحاجب العالم الفاضل الوزير ابن خلدون وصل الله سعده وحرس مجده بمنه وانما طولت بذكر هذه المخاطبات وان كانت فيما يظهر خارجة عن غرض الكتاب لان فيها كثيرا من أخباري وشرح حالي فيستوفى ذلك منها ما يتشوف إليه من المطالعين للكتاب ثم إن السلطان أبا حمو لم يزل معتملا في الاجلاب على بجاية واستئلاف قبائل رياح لذلك ومعولا على مشايعتي فيه ووصل يده مع ذلك بالسلطان أبى اسحق ابن السلطان أبى بكر صاحب تونس من بنى أبى حفص لما كان بينه وبين أخيه صاحب بجاية وقسنطينة من العداوة التي تقتضيها مقاسمة النسب والملك فكان يوفد رسله عليه في كل وقت ويمرون بي وأنا ببسكرة فأكد الوصلة بمخاطبة كل منهما وكان أبو زيان ابن عم السلطان أبى حمو بعد اجفاله عن بجاية واختلال معسكره قد سار في أثره إلى تلمسان وأجلب على نواحيها فلم يظفر بشئ وعاد إلى حصين فأقام بينهم واشتملوا عليه ونجم النفاق في سائر أعمال المغرب الأوسط ولم يزل يستألفهم حتى اجتمع له الكثير منهم فخرج في عساكره منتصف تسع وستين إلى حصين وأبى زيان واعتصموا بجبل تيطرى وبعث إلى في استنفار الزواودة للاخذ بحجزتهم من جهة الصحراء وكتب يستدعى
(٤٣٠)