ورحل راجعا إلى فاس والله أعلم {انتقاض علي بن زكريا شيخ الهساكرة على الأمير عبد الرحمن وفتكه بمولاه منصور ومقتل الأمير عبد الرحمن} لما رجع السلطان إلى فاس وبدا من الخلل في دولة الأمير عبد الرحمن وانتقاض الناس عليه ما قدمناه نزع يده من التعويل على العساكر وشرع في تحصين البلد وضرب الأسوار على القصبة وحفر الخنادق وتبين بذلك اختلال أمره وكان علي بن زكريا شيخ هسكورة وكبير المصامدة وكان في دعوته منذ دخل مراكش فتلافى أمره مع صاحب فاس ومد إليه يدا من طاعته ثم انتقض على الأمير عبد الرحمن ودخل في دعوة السلطان وبعث إليه الأمير عبد الرحمن مولاه منصورا يستألفه فأرصد إليه في طريقه من حاشيته من قتله وبعث برأسه إلى فاس فنهض السلطان في عساكره إلى مراكش واعتصم الأمير عبد الرحمن بالقصبة وقد كان أفردها عن المدينة بالأسوار وخندق عليها فملك السلطان المدينة ورتب على القصبة المقاتلة من كل جهة نصب الآلة وأدار عليها من جهة المدينة حائطا وأقام يحاصرها تسعة أشهر يغاديها القتال ويراوحها وكان أحمد بن محمد الصبيحي من الذين بوؤوا المقاعد لقتالهم فهم بالانتقاض وحدثته نفسه بغدرة السلطان والتوثب به وسعى بذلك إلى السلطان فتقبض عليه وحبسه وبعث السلطان بالنفير إلى أعماله فتوافت الامداد من كل ناحية وبعث إليه صاحب الأندلس مددا من العسكر فلما اشتد القتال والحصار بالأمير عبد الرحمن ونفذت الأقوات وأيقن أصحابه بالهلكة وأهمتهم أنفسهم وهرب عنه وزيره محمد بن عمر شيخ الهساكرة والمصامدة لعهد السلطان أبى الحسن وابنه وقد مر ذكره فلما لحق هذا بالسلطان وعلم أنه انما جاء مضطرا قبض عليه وحبسه ثم انفض الناس عن الأمير عبد الرحمن ونزلوا من الأسوار ناجين إلى السلطان وأصبح في قصبته منفردا وقد بات ليلته يراوض ولديه على الاستماتة وهما أبو عامر وسليم وركب السلطان من الغد في التعبية وجاء إلى القصبة فاقتحمها بمقدمته ولقيهم الأمير عبد الرحمن وولداه مباشرا إلى الميدان بين أبواب دورهم فجالوا معهم جولة قتل فيها وولداه قتلهم علي بن إدريس وزيان بن عمر الوطاسي وطال ما كان زيان يمترى يدي نعمهم ويجر ذيله خيلاء في جاههم فذهب مثلا في كفران النعمة وسوء الجزاء والله لا يظلم مثقال ذرة وكان ذلك خاتم جمادى الأخيرة سنة أربع وثمانين لعشر سنين من امارته على مراكش ثم رحل السلطان منقلبا إلى فاس وقد استولى على سائر أعمال المغرب وظفر بعدوه ودفع النازعين عن ملكه والله أعلم
(٣٤٧)