لما بلغ الخبر إلى السلطان باستشهاد ابنه أخرج وزارءه إلى السواحل لتجهيز الأساطيل وفتح ديوان العطاء واعترض الجنود وأزاح عللهم واستنفر أهل المغرب وارتحل إلى سبتة ليباشر أحوال الجهاد وتسامعت أمم النصرانية بذلك فاستعدوا للدفاع وأخرج الطاغية أسطوله إلى الزقاق ليمنع السلطان من الإجازة واستحث السلطان أساطيل المسلمين من مراسي العدوة وبعث إلى الموحدين بتجهيز أسطولهم إليه فعقدوا عليه لزيد بن فرحون قائد أسطول بجاية من صنائع دولتهم ووافى سبتة في ستة عشر من أساطيل إفريقية كان فيها من طرابلس وقابس وجربة وتونس وبونة وبجاية وتوافت أساطيل المغربين بمرسى سبتة تناهز المائة وعقد السلطان عليها لمحمد بن علي العزفي الذي كان صاحب سبتة يوم فتحها وأمره بمناجزة أسطول النصارى بالزقاق وقد اكتمل عديدهم وعدتهم فاستلأموا وتظاهروا في السلاح وزحفوا إلى أسطول النصارى وتواقفوا مليا ثم قربوا الأساطيل بعضها إلى بعض وقرنوها للمصاف فلم يمض الا كلا ولا حتى هبت ريح النصر وأظفر الله المسلمين بعدوهم وخالطوهم في أساطيلهم واستلحموهم هبرا بالسيوف وطعنا بالرماح وألقوا أشلاءهم في اليم وقتلوا قائدهم الملند واستاقوا أساطيلهم مجنوبة إلى مرسى سبتة فبرز الناس لمشاهدتها وطيف بكثير من رؤسهم في جوانب البلد ونظمت أصفاد الأسرى بدار الانشاء وعظم الفتح وجلس السلطان للتهنئة وأنشدت الشعراء بين يديه وكان يوما من أعز الأيام والمنة لله * (الخبر عن واقعة طريف وتمحيص المسلمين) * لما ظفر المسلمون بأسطول النصارى وخضدوا شوكتهم عن ممانعة الجواز شرع السلطان في إجازة العساكر الغزاة من المطوعة والمرتزقة وانتظمت الأساطيل سلسلة واحدة من العدوة إلى العدة ولما استكمل إجازة العساكر أجاز هو في أسطوله مع خاصته وحشمه آخر سنة أربعين ونزل بساحة طريف وأناخ بعساكره عليها واضطرب معسكره بفنائها وبدأ بمنازلتها ووافاه سلطان الأندلس أبو الحجاج ابن السلطان أبى الوليد بعسكر الأندلس من غزاة زناتة وحامية الثغور ورجل البدو فعسكروا حذاء معسكره وأحاطوا بطريف نطاقا واحدا وأنزلوا بهم أنواع القتال ونصبوا عليها الآلات وجهز الطاغية أسطولا آخر اعترض به الزقاق لقطع المرافق عن المعسكر وطال ثواؤهم بمكانهم من حصار البلد ففنيت أزودتهم وافتقدوا العلوفات فوهن الظفر واختلت أحوال المعسكر واحتشد الطاغية أمم النصرانية وظاهره البرتقال صاحب أشبونة وغرب الأندلس فجاء معه في قومه وزحف إليهم لستة أشهر من نزولهم ولما قرب معسكرهم سرب إلى طريف جيشا من النصارى أكمنه بها فدخلوه ليلا على حين غفلة من العسس الذي أرصد لهم
(٢٦١)