الكلام والمعاني على الفكر حتى امتخضت زبدتها وتألفت نتائجها وكانت من بعد ذلك الفيئة إلى تونس كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الفيئة إلى السلطان أبى العباس بتونس) * ولما نزلت بقلعة ابن سلامة من أحياء أولاد عريف وسكنت بقصر أبى بكر بن عريف الذي اختطه بها وكان من أحفل المساكن وأوفقها ثم طال مقامي هنالك وأنا مستوحش من دولة المغرب وتلمسان وعاكف على تأليف هذا الكتاب وقد فرغت من مقدمته إلى أخبار العرب والبربر وزناتة وتشوفت إلى مطالعة الكتب والدواوين التي لا توجد الا بالامصار بعد أن أمليت الكثير من حفظي وأردت التنقيح والتصحيح ثم طرقني مرض أربى على البنية لولا ما تدارك من لطف الله فحدث عندي ميل إلى مراجعة السلطان أبى العباس والرحلة إلى تونس حيث قرار آبائي ومساكنهم وآثارهم وقبورهم فبادرت إلى خطاب السلطان بالفيئة إلى طاعته والمراجعة فما كان غير بعيد وإذا بخطابه وعهوده بالاذن والاستحثاث للقدوم فكان الخفوق للرحلة فظعنت عن أولاد عريف مع عرب الاجص من بادية رياح كانوا هنا لك ينتجعون الميرة بمنداس وارتحلنا في رجب سنة ثمانين وسلكنا القفر إلى الدوسن من أطراف الزاب ثم صعدت إلى التل مع حاشية يعقوب بن علي وجدتهم بفرفار الضيعة التي اختطها بالزاب فرحلت معهم إلى أن نزلنا عليه بضاحية قسنطينة ومعه صاحبها الأمير إبراهيم ابن السلطان أبى العباس بمخيمه ومعسكره فحضرت عنده وقسم لي من بره وكرامته فوق الرضا وأذن لي في الدخول إلى قسنطينة وإقامة أهلي في كفالة احسانه ريثما أصل إلى حضرة أبيه وبعث يعقوب بن علي معي ابن أخيه أبى دينار في جماعة من قومه وسرت إلى السلطان أبى العباس وهو يومئذ قد خرج من تونس في العساكر إلى بلاد الجريد لاستنزال شيوخها عن كراسي الفتنة التي كانوا عليها فوافيته بظاهر سوسة فحيا وفادتي وبر مقدمي وبالغ في تأنيسي وشاورني في مهمات أموره ثم ردني إلى تونس وأوعز إلى نائبه بها مولاه فارح بتهيئة المنزل والكفالة من الجراية والعلوفة وجزيل الاحسان فرحت إلى تونس في شعبان من السنة وآويت إلى ظل ظليل من عناية السلطان وحرمته وبعثت إلى الأهل والولد وجمعت شملهم في مرعى تلك النعمة وألقيت عصا التسيار وطالت غيبة السلطان إلى أن افتتح أمصار الجريد وذهب فلهم في النواحي ولحق زعيمهم يحيى بن يملول ونزل على صهره ابن مزنى وقسم السلطان بلاد الجريد بين ولده فأنزل ابنه محمد المنتصر بتوزر وجعل نفطة ونفزاوة من أعماله وأنزل ابنه أبا بكر بقفصة وعاد إلى تونس مظفرا مزهوا فأقبل على واستدناني لمجالسته والنجاء
(٤٤٥)