الأمير أبو عبد الرحمن وأبو مالك متناغيين في ولاية عهده منذ أيام جدهما أبى سعيد وكان السلطان قد جعل لهما من أول دولته ألقاب الامارة وأحوالها من اتخاذ الوزراء والكتاب ووضع العلامة وتدوين الدواوين واثبات العطاء واستلحاق الفرسان والانفراد بالعساكر فكانا من ذلك على نهج وجعل لهما مع ذلك الجلوس لمقعد فصله مناوبة لتنفيذ الأوامر السلطانية فكانا لذلك رديفين له في سلطانه ولما اشتد وجع السلطان تمشت سماسرة الفتن بين هذين الأميرين وحزب أهل المعسكر لهما أحزابا وبث كل واحد منهما المال وحمل على المقربات وصارت شيعا وانقسموا فرقا وهم الأمير أبو عبد الرحمن بالتوثب على الامر قبل أن يتبين حال السلطان باغراء وزرائه وبطانته بذلك وتفطن خاصة السلطان لها فأخبروه الخبر وحضوه على الخروج إلى الناس قبل أن يتفاقم الامر ويتسع الخرق فبرز إلى فسطاط جلوسه وتسامع أهل المعسكر به فازدحموا على مجلسه وتقبيل يده وتقبض على أهل الظنة من العساكر وتسامع أهل المعسكر فأودعهم السجن وسخط على الأميرين ورحل الناس من معسكرهما فردهما إلى معسكره ثم رجع إلى فسطاطه فارتاب الأميران لذلك ووجما وطفئت نار فتنتهما وسكن سعى المفسدين وانتبذ الناس عنهما فاشتدت روعة الأمير أبى عبد الرحمن وركب من فساطيطه وخاض الليل وأصبح بحلة أولاد على أمراء زغبة الموطنين بأرض حمزة فتقبض عليه أميرهم موسى بن أبي الفضل ورده إلى أبيه فاعتقله بوجدة ورتب العيون لحراسته من حشمه إلى أن قتل بعد ذلك سنة ثنتين وأربعين وثب بالسجان فقتله وأنفذ السلطان حاجبه علان بن محمد فقضى عليه ولحق وزيره زيان بن عمر الوطاسي بالموحدين فأجاروه ورضى السلطان صبيحة نزوع أبى عبد الرحمن عن أخيه أبى مالك وعقد له على ثغور عمله بالأندلس وصرفه إليها وانكفأ إلى تلمسان والله أعلم * (الخبر عن خروج ابن هيدور وتلبسيه بابي عبد الرحمن) * لما تقبض السلطان على ابنه عبد الرحمن وأودعه السجن تفرق حرمه وحشمه وانذعروا في الجهات وهمل جازر من مطبخه كان يعرف بابن هيدور كان شبيها له في الصورة فلحق ببني عامر من زغبة وكانوا لذلك العهد منحرفين عن الطاعة خوارج على الدولة لما كان السلطان وأبوه اختصا عريف بن يحيى أمير سويد أقتالهم منذ نزع إليهم عن أبي تاشفين فركبوا سنن الخلاف ولبسوا جلدة النفاق وانتبذوا بالقفار ورياستهم لذلك العهد لصغير بن عامر واخوته وعقد السلطان على حربهم لوترمار ابن وليه عريف وكان سيد البدو يومئذ فجمع لهم وشمر لطلبهم وأبعدوا أمامه في المذاهب وأوقع بهم مرارا ولحق بهم هذا الجازر وانتسب لهم إلى السلطان أبى الحسن وأنه أبو عبد الرحمن ابنه النازع
(٢٥٩)