ولما هلك المرتضى وولى أبو دبوس سنة خمس وستين وحمى وطيس فتنته مع يعقوب بن عبد الحق فراسل يغمراسن في مدافعته وأكد العهد وأسنى الهدية وأجلب إليه يغمراسن وشن الغارات على ثغور المغرب وأضرمها نارا وكان يعقوب بن عبد الحق محاصرا لمراكش فأفرج عنها ورجع إلى المغرب واحتشد جموعه ونهض إلى لقائه وتزاحف الفريقان بوادي تلاغ وقد استكمل كل تعبيته وكانت الوقيعة على يغرماسن استبيحت فيها حرمه واستلحم قومه وهلك ابنه أبو حفص عمرا عز ولده عليه في أتراب له من عشيرته مثل ابن أخته عبد الملك بن حنينة وابن يحيى بن مكي وعمر بن إبراهيم بن هشام ورجع عنه يعقوب بن عبد الحق إلى مراكش حتى انقضى شأنه في التغلب عليها ومحى أثر بنى عبد المؤمن منها ونزع لمحاربة بنى عبد الواد وحشد كافة أهل المغرب من المصامدة والجموع والقبائل ونهض إلى بنى عبد الواد سنة سبعين فبرز إليه يغمراسن في قومه وأوليائه من مغراوة والعرب وتزاحفوا بايسلى من نواحي وجدة فكانت الدبرة على يغمراسن وانكشف جموعه وقتل ابنه فارس ونجا بأهله بعد أن أضرم معسكره نارا تفاديا من معرة اكتساحه ونجا إلى تلمسان فانحجر بها وهدم يعقوب بن عبد الحق وجدة ثم نازله بتلمسان واجتمع إليه هنالك بنو توجين مع أميرهم محمد ابن عبد القوى وصلى يده بيد السلطان على يغمراسن وقومه وحاصروا تلمسان أياما فامتنعت عليهم وأفرجوا عنها وولى كل إلى عمله ومكان ملكه حسبما نذكره في أخبارهم وانعقدت بينهما المهادنة من بعد ذلك وفرغ يعقوب بن عبد الحق للجهاد ويغمراسن لمغالبة توجين ومغراوة على بلادهم إلى أن كان من شأنهم ما نذكره والله أعلم (الخبر عن شأن يغمراسن مع مغراوة وبنى توجين وما كان بينهم من الاحداث) كانت مغراوة في مواطنهم الأولى من نواحي شلب قد سالمتهم الدل عند تلاشى ملكهم وساموهم الجباية فرضوا بها مثل بنى ورسفين وبنى يلنث وبنى ورتزمير وكان فيهم سلطان لبنى منديل بن عبد الرحمن من أعقاب آل خزر ملوكهم الأولى منذ عهد الفتح وما بعده على ما ذكرناه في خبرهم فلما انتثر عقد الخلافة بمراكش وتشظت عصاها وكثر الثوار والخوارج بالجهات استقل منديل بن عبد الرحمن وبنوه بتلك الناحية وملكوا مليانة وتنس وشرشال وما إليها وتطاولوا إلى متيجة فتغلبوا عليها ثم مدوا أيديهم إلى جبل وانشريس وما إليه فتناولوا الكثير من بلاده ثم أزاحهم عنها بنو عطية الحبو وقومه من بنى توجين المجاورون لهم في مواطنهم بأعالي شلب شرقي أرض السوس وكان ذلك لأول دخول أحياء زناتة الناجعة بأرض القبلة إلى التلول فتغلب بنو عبد الواد على نواحي تلمسان إلى وادى صا وتغلب بنو توجين على ما بين الصحراء والتل من بلد المرية
(٨٦)