الوزير سليمان بوطن قسنطينة وأغذ السير إلى عامل الزاب يوسف بن مزنى بأن تكون يده معه وأن يأمره في أحوال الزواودة لرسوخه في معرفتها فارتحل إليه من بسكرة ونازلوا جبل أو رأس واقتضوا جبايته ومغارمه وشردوا المخالفين من الزواودة عن العيث في الوطن فتم غرضهم من ذلك وانتهى الوزير وعساكر السلطان إلى أول أوطان إفريقية من آخر مجالات رياح وانكفأ راجعا إلى المغرب ووافى السلطان بتلمسان ووصلت معه وفود العرب الذين أبلوا في الخدمة فوصلهم السلطان وخلع عليهم وحملهم وفرض لهم العطاء بالزاب وكتب لهم به وانقلبوا إلى أهلهم ووفد على اثرهم أحمد ابن يوسف بن مزنى أوفده أبوه بهدية السلطان من الخيل والرقيق والرزق فتقبلها السلطان وأكرم وفادته وأنزله واستصحبه إلى فاس ليريه أحوال كرامته وليستبلغ في الاحتفاء به واحتل بدار ملكه منتصف ذي القعدة من سنة تسع وخمسين والله أعلم {الخبر عن مهلك السلطان أبى عنان ونصب السعيد للامر باستبداد الوزير حسن بن عمر في ذلك} لما وصل السلطان إلى دار ملكه بفاس احتل بها بين يدي العيد الأكبر حتى إذا قضى الصلاة من يوم الأضحى أدركه المرض وأعجله طائف الوجع عن الجلوس يوم العيد على العادة فدخل إلى قصره ولزم فراشه واستبد به وجعه وأطاف به النساء يمرضنه وكان ابنه أبو زيان ولى عهده وكان وزيره يحيى بن موسى القفولي من صنائع دولتهم وأبناء وزرائهم قد عقد له السلطان على وزارته واستوصاه به فتعجل الامر وداخل رؤس بنى مرين في الانحياش إلى أمرهم والفتك بالوزير الحسن بن عمر وداخله في ذلك عمر بن ميمون لعداوة بينهما وبين الوزير فخشيهما الحسن بن عمر على نفسه وفاوض عليه أهل المجلس بذات صدره وكانت نفرتهم عن ولى العهد مستحكمة لما أبلوا من سوء خلته وشر ملكته فاتفقوا على تحويل الامر عليه ثم نمى إليهم أن السلطان مشرف على الهلكة لا محالة وأنه موقع بهم من قبل مهلكه فأجمعوا أمرهم على الفتك به والبيعة لأخيه السعيد طفلا خماسيا وباكروا دار السلطان فتقبضوا على وزيره موسى بن عيسى وعمر بن ميمون فقتلوهما وجلسوا للبيعة وأغروا وزيره مسعود بن رحو بن ماسى بالقبض على أبي زيان من نواحي القصر فدخل إليه وتلطف في اخراجه من بين الحرم وقاده إلى أخيه فبايع وتل إلى بعض حجر القصر فأتلف فيه مهجته واستقل الحسن بن عمر بالأمر يوم الأربعاء الرابع والعشرين لذي الحجة من سنة تسع وخمسين والسلطان أثناء ذلك على فراشه يجود بنفسه وارتقب الناس دفنه يوم الأربعاء والخميس بعده فلم يدفن فارتابوا وفشا الكلام وارتاب الجماعة فأدخل الوزير زعموا إليه بمكانه من بيته من غطه حتى أتلفه
(٢٩٩)