الوقعة فحط في هذا اليوم جناح الدولة وحطم منها واستمرت منازلة السلطان أبى الحسن إياها إلى آخر رمضان من سنة سبع وثلاثين فاقتحمها يوم السابع والعشرين منه غلابا ولجأ السلطان أبو تاشفين إلى باب قصره في لمة من أصحابه ومعه ولداه عثمان ومسعود ووزيره موسى بن علي وعبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق من أعياص بنى مرين وهو الذي لحق بهم من تونس كما ذكرناه وسيأتي ذكره وخبره ومعه يومئذ ابنا أخيه أبو زيان وأبو ثابت فمانعوا دون القصر مستميتين إلى أن استلحموا ورفعت رؤسهم على عصى الرماح فطيف بها وغصت سكك البلد من خارجها وداخلها بالعساكر وكصت أبوابها بالزحام حتى لقد كب الناس على أذقانهم وتواقعوا فوطئوا بالحوافر وتراكمت أشلاؤهم ما بين البابين حتى ضاق المذهب ما بين السقف ومسلك الباب وانطلقت الأيدي على المنازل نهبا واكتساحا وخلص السلطان إلى المسجد الجامع واستدعى رؤساء الفتيا والشورى أبا زيد عبد الرحمن وأبا موسى عيسى ابني الامام قدمهما من أعماله لمكان معتقده في أهل العلم فحضروه ورفعوا إليه أمر الناس وما نالهم من معرة العسكر ووعظوه فأناب ونادى مناديه برفع الأيدي عن ذلك فسكن الاضطراب وأقصر العيث وانتظم السلطان أبو الحسن أمصار المغرب الأوسط وعمله إلى سائر أعماله وتاخم الموحدين بثغوره وطمس رسم الملك لآل زيان ومعالمه واستتبع زناتة عصبا تحت لوائه من بنى عبد الواد وتوجين ومغراوة وأقطعهم ببلاد المغرب سهاما أدالهم بها من تراثهم من أعمال تلمسان فانقرض ملك آل يغمراسن برهة من الدهر إلى أن أعاده منهم أعياص سموا إليه بعد حين عند نكبة السلطان ابن الحسن بالقيروان كما نذكره فأومض بارقة وهبت ريحه والله يؤتى ملكه من يشاء {الخبر عن رجال دولته وهم موسى بن علي ويحيى بن موسى مولاه هلال وأوليتهم ومصاير أمورهم واختصاصهم بالذكر لما صار من شهرتهم وارتفاع صيتهم} فأما موسى بن علي الحاجب الهالك فأصله من قبيلة الكرد من أعاجم المشرق وقد أشرنا إلى الخلاف في نسبهم بين الأمم وذكر المسعودي منهم أصنافا سماهم في كتابه من الشاهجان والبرسان والكيكان إلى آخرين منهم وان مواطنهم ببلاد أذربيجان والشام والموصل وأن منهم نصارى على رأى اليعقوبية وخوارج على رأى البراءة من عثمان وعلى انتهى كلامه (وكان) منهم طوائف بجبل شهرزور من عراق العجم وعامتهم يتقلبون في الرحلة وينتجعون لسائمتهم مواقع الغيث ويتخذون الخيام لسكناهم من اللبود وجل مكاسبهم الشاء والبقر من الانعام وكانت لهم عزة وامتناع بالكثرة ورياسات ببغداد أيام تغلب الأعاجم على الدولة واستبدادهم بالرياسة ولما طمس ملك
(١١١)