منتحلين للعلم وكان أبو محمد قاضيا بسبتة أيام أبى طالب وأبى حاتم وكان له معهم صهر ونشأ ابنه عبد المهيمن هذا في حجر الطلب والجلالة وقرأ صناعة العربية على الأستاذ الغافقي وحذق فيها ولما نزلت بهم نكبة الرئيس أبى سعيد سنة خمس واحتملوا إلى غرناطة احتمل فيهم القاضي محمد بن عبد المهيمن وابنه وقرأ عبد المهيمن بغرناطة على مشيختها وازداد علما وبصرا باللسان والحديث واستكتب بدار السلطان محمد المخلوع واختص بوزيره المتغلب على دولته محمد بن الحكيم الرندي فيمن اختص به من رؤساء بنى العز في ثم رجع بعد نكبة ابن الحكيم إلى سبتة وكتب عن قائدها يحيى بن مسلمة مدة ولما استخلص بنو مرين سبتة سنة تسع اقتصر على الكتابة وأقام منتحلا مذاهب سلفه في انتحال العلم ونزول المروءة ولما استولى السلطان أبو سعيد على المغرب واستقل بولاية العهد وتغلب على الامر ابنه أبو على وكان محبا للعلم مولعا بأهله منتحلا لفنونه وكانت دولته خلوا من صناعة التراسل مذ عهد الموحدين للبداوة الموجودة في أولهم وحصل للأمير أبى على بعض البصر بالبلاغة واللسان تفطن به لشأن ذلك وخلو دولتهم من الكتاب المرسلين وأنهم انما يحكمون الخط الذي حذقوا فيه ورأى الأصابع تشير إلى عبد المهيمن في رياسة تلك الصناعة فولع به وكان كثير الوفادة مع أهل بلده أوقات وفادتهم فيختصه الأمير أبو على بمزيد بره وكرامته ويرفع مجلسه ويخطبه للكتابة وهو يمتنع عليه حتى إذا أمضى عزيمته في ذلك أو عز إلى عامله بسبتة سنة ثنتي عشرة أن يشخصه إلى بابهم فقلده كتابته وعلامته حتى إذا خرج أبو على على أبيه تحيز عبد المهيمن إلى الأمير أبى الحسن فلما صولح أبو على على النزول عن البلد الجديد وكتب شرطه على السلطان كان من جملتها كون عبد المهيمن معه وأمضى له السلطان ذلك وأنف الأمير أبو الحسن منها فأقسم ليقتلنه ان عمل بذلك فرفع عبد الله من أمره إلى السلطان ولاذ به وألقى نفسه بين يديه فرق لشكواه وأمره باعتزالهما معا والرجوع إلى خدمته وأنزله بمعسكره وأقام على ذلك واختصه منديل الكتاني كبير الدولة وزعيم الخاصة وأنكحه ابنته ولما نكب منديل جعل السلطان علامته لابي القاسم بن أبي مدين وكان غفلا خلوا من الآداب فكان يرجع إلى عبد المهيمن في قراءة الكتب واصلاحها وانشائها حتى عرف السلطان له ذلك فاقتصر عليه وجعل وضع العلامة إليه سنة ثمان عشرة فاضطلع بها ورسخت قدمه في مجلس السلطان وارتفع صيته واستمر على ذلك أيام السلطان وابنه أبى الحسن من بعده إلى أن هلك بتونس في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين والله سبحانه وتعالى خير الوارثين * (الخبر عن صريخ أهل الأندلس ومهلك بطرة على غرناطة) *
(٢٤٨)