ذات يوم على حين غفلة طائفة من سورها بالحاح الحجارة من المنجنيق عليها فبادروا إلى اقتحام البلد فدخلوها عنوة من تلك الفرجة في صفر من سنة ثلاث وسبعين فقتلوا المقاتلة والحامية وسبوا الذرية وقتل القائدان عبد الملك بن حنينة ويغمراسن بن حمامة ومن كان معهم من بنى عبد الواد وأسراء المنباة وكمل فتح بلاد المعرب للسلطان أبى يوسف وتمشت طاعته في أقطاره فلم يبق فيه معقل يدين بغير دعوته ولا جماعة تتحيز إلى غير فئته ولا امل ينصرف إلى سواه ولما كملت له نعم الله في استيساق ملكه وتمهيد أمره انصرف أمله إلى الغزو وايثار طاعة الله بجهاد أعدائه واستنقاذ المستضعفين من وراء البحر من عباده على ما نذكره ان شاء الله تعالى ولما انكفأ راجعا من سجلماسة قصد مراكش من حيث جاء ثم وقف إلى سلا فأراح بها أياما ونظر في شؤنها وسد ثغورها وبلغه الخبر بوفادة أبى طالب صاحب سبتة الفقيه أبى القاسم الغرفي على فاس فأغذ السير إلى حضرته وأكرم وفادته وأحسن منقلبه إلى أبيه مملوء الحقائب ببره رطب اللسان بشكره ثم شرع في إجازة ولده كما نذكره الآن ان شاء الله تعالى {الخبر عن شأن الجهاد وظهور السلطان أبى يوسف على النصارى وقتل زعيمهم ذننة وما قارن ذلك} كانت عدوة الأندلس منذ أول الفتح ثغرا للمسلمين فيه جهادهم ورباطهم ومدارج شهادتهم وسبيل سعادتهم وكانت مواطنهم فيه على مثل الرضف وبين الظفر والناب من أسود الكفر لتوفر أممهم جوارها وأحاطهم بها من جميع جهاتها وحجز البحر بينهم وبين إخوانهم المسلمين منها لانقطاعهم عن قومهم وأهل دينهم وبعدهم عن الصريخ وشاور في ذلك كبار التابعين وأشراف العرب فرأوه رأيا واعتزم عليه لولا ما عاقه من المنية وعلى ذلك فكان للاسلام فيه اعتزاز على من جاورهم من أهل الكفر بطول دولة العرب من قريش ومضر واليمن وكانت نهاية عزهم وسورة غلبهم أيام بنى أمية بها الطائرة الذكر الباسطة جناحها على العدوتين منذ ثلاث مئين من السنين أو ما يقاربها حتى انتثر سلكها بعد المائة الرابعة من الهجرة وافترقت الجماعة طوائف وفشلت ريح المسلمين وراء البحر بفناء دولة العرب واعتز البربر بالمغرب واستفحل شأنهم وجاءت دولة المرابطين فجمعت ما كان مفترقا بالمغرب من كلمة الاسلام وتمسكوا بالسنة وتشوفوا إلى الجهاد واستدعاهم إخوانهم من وراء البحر للمدافعة عنهم فأجازوا إليهم وأبلوا في الجهاد العد وأحسن البلاء وأوقعوا بالطاغية بن أدفوش يوم الزلاقة وغيرها وفتحوا حصونا واسترجعوا أخرى واستنزلوا الثوار ملوك الطوائف وجمعوا الكلمة بالعدوتين وجاء على اثرهم الموحدون سالكين أحسن مذاهبهم فكان لهم في الجهاد آثار وعلى
(١٨٩)