بنى مرين عشى ذلك اليوم فأناخوا بها في شعبان سنة ثمان وتسعين وأحاط العسكر بها من جميع جهاتها وضرب يوسف بن يعقوب عليها سياجا من الأسوار محيطا بها وفتح فيه أبوابا مداخل لحربها واختط لنزله إلى جانب الأسوار مدينة سماها المنصورة وأقام على ذلك سنين يغاديها القتال ويراوحها وسرح عسكره لافتتاح المغرب الأوسط وثغوره فملك بلاد مغراوة وبلاد توجين كما ذكرناه في أخباره وجثم هو بمكانه من حصار تلمسان لا يعدوها كالأسد الضاري على فريسته إلى أن هلك عثمان وهلك هو من بعده كما نذكره والى الله المصير سبحانه وتعالى لا رب غيره {الخبر عن ملك عثمان بن يغمراسن وولاية ابنه أبى زيان وانتهاء الحصار من بعده إلى غايته} لما أناخ يوسف بن يعقوب بعساكره على تلمسان انحجز بها عثمان وقومه واستسلموا والحصار آخذ بمخنقهم وهلك عثمان لخامسة السنين من حصارهم سنة ثلاث وسبعمائة وقام بالأمر من بعده ابنه أبو زيان محمد (أخبرني) شيخنا العلامة محمد بن إبراهيم الأيلي وكان في صباه قهرمان دارهم قالا هلك عثمان بن يغمراسن بالديماس وكان قد أعد لشربه لبنا فلما أخذ منه؟؟ وعطش دعا بالقدح فشرب اللبن وقام فلم يكن بأوشك؟؟ ان فاضت نفسه وكنا نرى معشر الصنائع انه داف فيه السم تفاديا من معرة غلب عدوهم إياهم قال وجاء الخادم إلى قعيدة بيته زوجه بنت السلطان أبى أسحق بن الأمير أبى زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص صاحب تونس وخبرها الخبر فجاءت ووقعت عليه واسترجعت وخيمت على الأبواب بسدادها ثم بعثت إلى أبيه محمد أبى زيان وموسى أبى حمو فعزتهما عن أبيهما وأحضرا مشيخة بنى عبد الواد وعرضوا لهم بمرض السلطان فقال أحدهم مستفهما عن الشأن ومترجما عن القوم السلطان معنا آنفا ولم يمتد الزمن لوقوع المرض فان يكن هلك فخبرونا فقال له أبو حمو وإذا هلك فما أنت صانع فقال انما نخشى من مخالفتك والا فسلطاننا أخوك الأكبر أبو زيان فقام أبو حمو من مكانه وأكب على يد أخيه يقبلها وأعطاه صفقة يمينه واقتدى به المشيخة فانعقدت بيعته لوقته واشتمل بنو عبد الواد على سلطانهم واجتمعوا إليه وبرزوا إلى قتال عدوهم على العادة فكان عثمان لم يمت (وبلغ الخبر) إلى يوسف بن يعقوب بمكانه من حصارهم فتفجع له وعجب من صرامة قومه من بعده واستمر حصاره إياهم إلى ثمانية سنين وثلاثة أشهر من يوم نزوله نالهم فيها من الجهد ما لم ينله أمة من الأمم واضطروا إلى أكل الجيف والقطوط والفيران حتى أنهم زعموا انه أكلوا فيها أشلاء الموتى من الناس وخربوا السقف للوقود وغلت اسعار الأقوات
(٩٥)