الصدمة وخمدت نار الحرب راجع الموحدون بصائرهم وأمعن الأمير نظره فيمن يقلده أمر تلمسان والمغرب الأوسط وينزله بثغرها لإقامة دعوته الدائلة من بنى عبد المؤمن والمدافعة عنها واستكبر ذلك أشرافهم وتدافعوه وتبرأ أمراء زناتة منه ضعفا عن مقاومة يغمراسن وعلما بأنه الفحل الذي لا يجدع أنفه ولا يطرق غيله ولا يصد عن فريسته وسرح يغمراسن الغارات في نواحي العسكر فاختطفوا الناس من حوله وأطلوا من المراقب عليه وخاطب يغمراسن خلال ذلك الأمير أبا زكريا راغبا في القيام بدعوته بتلمسان فراجعه بالاسعاف واتصال اليد على صاحب مراكش وسوغه على ذلك جباية اقتطعها له وأطلق أيدي العمال ليغمراسن على جبايتها ووفدت أمه سوط النساء للاشتراط والقبول فأكرم موصلها وأسنى جائزتها وأحسن وفادتها ومنقلبها وارتحل إلى حضرته لسبع عشرة ليلة من نزوله في أثناء ريقه ووسوس إليه بعض الحاشية باستبداد يغمراسن عليه وأشاروا بإقامة منافسيه من زناتة فأجابهم وقلد عبد القوى بن عطية التوجيني والعباس بن منديل المغراوي وعلي بن منصور الملكيشى على قومهم ووطنهم وعهد إليهم بذلك وأن لهم في اتخاذ الآلة والمراسم السلطانية على سنن يغمراسن قريعهم فاتخذوها بحضرته وبمشهد من ملك الموحدين وأقاموا مراسمها ببابه وأعد السير لتونس قرير العين بامتداد الملك وبلوغ وطره والاشراف على اذعان المغرب لطاعته وانقياده وحكمه وإدالة عبد المؤمن فيه بدعوته ودخل يغمراسن بن زيان ووفى للأمير أبى زكريا بعهده وأقام بها الدعوة له على سائر منابره وصرف إلى مشاقيه من زناتة وجوه عزائمه فأذاق عبد القوى وأولاد عباس وأولاد منديل نكال الحرب وسامهم سوء العذاب والفتنة وجاس خلال ديارهم وتوغل في بلادهم وغلبهم على الكثير من ممالكهم وشرد عن الأمصار والقواعد ولاتهم وأشياعهم ودعاتهم ورفع عن الرعية ما نالهم من عدوانهم وسوء ملكتهم وثقيل عسفهم ولم يزل على تلك الحال إلى أن كان من حركة صاحب مراكش يغمراسن بالدولة الحفصية ما نذكره ان شاء الله تعالى {الخبر عن نهوض السعيد صاحب مراكش ومنازلته يغمراسن بجبل تامزردكت ومهلكه هنالك} لما انقضت دولة بنى عبد المؤمن وانتزى الثوار والدعاة بقاصية أعمالهم وقطعوها عن ممالكهم فاقتطع ابن هود ما وراء البحر من جزيرة الأندلس واستبد بها وروى بالدعاء للمستنصر بن الظاهر خليفة بغداد من العباسيين لعهده ودعا الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بإفريقية لنفسه وسما إلى جمع كلمة زناتة والتغلب على كرسي الدعوة بمراكش
(٨١)