على السلطان يوما مشهودا واذن بعدها لوفود الزواودة في الانصراف إلى بلادهم وقد كان ينتظر بهم قدوم الوزير ووليه وترمار بن عريف فودعوه وبالغ في الاحسان وانصرفوا إلى بلادهم ثم أعمل نظره في اخراج أبى زيان من بين أحياء الزواودة لما خشى من رجوعه إلى حصين فأمرني في ذلك وأطلقني إليهم في محاولة انصرافه عنهم فانطلقت لذلك وكان أحياء حصين قد توجسوا الخيفة من السلطان وتنكروا له وانصرفوا إلى أهليهم بعد مرجعهم من غزاتهم مع الوزير وبادروا باستدعاء أبى زيان من مكانه عند أولاد يحيى بن علي وأنزلوه بينهم واشتملوا عليه وعادوا إلى الخلاف الذي كانوا عليه أيام أبى حمو واشتعل المغرب الأوسط نارا ونجم صبى من بيت الملك في مغراوة وهو حمزة بن علي بن راشد فر من معسكر الوزير ابن غازي أيام مقامه عليها فاستولى على شلف وبلاد قومه وبعث السلطان وزيره عمر بن مسعود في العساكر لمنازلته وأعيا داؤه وانقطعت أنا ببسكرة وحال ذلك ما بيني وبين السلطان الا بالكتاب والرسالة وبلغني في تلك الأيام وأنا ببسكرة مفر الوزير ابن الخطيب من الأندلس حين توجس الخيفة من سلطانه بما كان له من الاستبداد عليه وكثرة السعاية من البطانة فيه فأعمل الرحلة إلى الثغور الغربية لمطالعتها باذن سلطانه فلما حاذى جبل الفتح قبل الفرضة دخل إلى الجبل وبيده عهد السلطان عبد العزيز إلى القائد بقبوله وأجاز البحر من حينه إلى سبتة وسار إلى السلطان بتلمسان وقدم عليه بها في يوم مشهود وتلقاه السلطان من الحظوة والتقريب وادرار النعم بما لا يعهد بمثله وكتب إلى من تلمسان يعرفني بخبره ويلم ببعض العتاب على ما بلغه من حديثي الأول بالأندلس ولم يحضرني الآن كتابه فكان جوابي عنه ما نصه الحمد لله ولا قوة الا بالله ولا راد لما قضى الله يا سيدي ونعم الذخر الأبدي والعروة الوثقى التي أعلقتها يدي أسلم عليك سلام القدوم على المخدوم والخضوع للملك المتبوع لابل أحييكم تحية المشوق للمعشوق والمدلج للصباح المتبلج وأقرر ما أنتم أعلم بصحيح عقدي فيه من حبي لكم ومعرفتي بمقداركم وذهابي إلى أبعد الغايات في تعظيمكم والثناء عليكم والإشادة في الآفاق بمناقبكم ديدنا معروفا وسجية راسخة يعلم الله وكفى بالله شهيدا وهذا كما في علمكم أسنى ما اختلف أولا ولا آخرا ولا شاهدا ولا غائبا وأنتم أعلم بما تعنى نفسي وأكبر شهادة في خفايا ضميري ولو كنت ذلك فقد سلف من حقوقكم وجميل أخذكم واجتلاب الحظ لو هيأه القدر لمساعيكم وايثاري بالمكان من سلطانكم ودولتكم ما يستلين معاطف القلوب ويستل سخائم الهواجس فأنا أحاشيكم من استشعار نبوة أو اخفار وطن ولو تعلق معلق ساق حرزرزور فحاش لله أن يقدح في الخلوص لكم أو يرحج سوائبكم انما هي خبية
(٤٣٤)