عبد المؤمن وفصل إلى حضرته في شوال وأراح بسلا فكان من خبر عهده لابنه ما نذكره ان شاء الله تعالى {الخبر عن عهد السلطان لابنه أبى مالك وما كان عقب ذلك من خروج القرابة عليها أولاد أخيه إدريس وإجازتهم إلى الأندلس} لما تلوم السلطان بسلا منصرفه من رباط الفتح وأراح بها ركائبه عرض له طائف من المرض ووعك وعكا شديدا فلما أقفل جمع قومه وعهد لابنه فيهم أبى مالك عبد الواحد كبير ولده لما علم من أهليته لذلك وأخذ له البيعة عليهم فأعطوها طواعية وأسف لقرابة من ولد أخويه عبد الله وإدريس لأمهما سوط النساء ووجدوا في أنفسهم لما يرون أن عبد الله وإدريس أكابر ولد عبد الحق ولهما التقدم على من بعدهما من ولده وأنهما أحق بالأمر فرجعت هنت إلى أذنا بها ونفسوا عن ابن السلطان لما أخذ له من البيعة والعهد ونزعوا عنه إلى جبل علودان من جبال غمارة عش خلافهم ومدرج فتنتهم وذلك سنة تسع وستين ورياستهم يومئذ لمحمد بن إدريس وموسى بن رحو بن عبد الله وخرج معهم ولد أبى عياد بن عبد الحق وأغزاهم السلطان ولده أبا يعقوب يوسف في خمسة آلاف من عسكره فأحاط بهم وأخذ بمخنقهم ولحق به أخوه أبو مالك في عسكره ومعه مسعود بن كانون شيخ بسفيان ثم خرج في أثرهم السلطان أبو يوسف واجتمع معسكرهم بتافركا ونازلوهم ثلاثا وهلك في حروبهم منديل بن ورتطليم ولما رأوا ان أحيط بهم سألوا الأمان فبذله وأنزلهم واستل سخائمهم ومسح ما في ارتكبوه فأذن لهم وأجازوا البحر إلى الأندلس وخالفهم عامر بن إدريس لما أنس من صاغية السلطان إليه فتخلف عنهم بتلمسان حتى توثق لنفسه بالعهد وعاد إلى قومه بعد منازلة السلطان بتلمسان كما نذكره الآن واحتل بنو إدريس وعبد الله وابن عمهم أبو عياد بأندلس على حين أقفر من الحامية جوها واستأسد العدو على ثغرها وغلبت شفاههم فاحتلوها أسودا ضارية وسيوفا ماضية معودين لقاء الابطال وقراع الحتوف والنزال مستغلظين بخشونة البداوة وصرامة العز وبسالة التوحش فعظمت نكايتهم في العدو واعترضوا شجى في صدره دون الوطن الذي كان طعمة له في ظنه وارتدوه على عقبه ونشطوا من همم المسلمين المستضعفين وراء البحر وبسطوا من أمالهم لمدافعة طاغيتهم وزاحموا أمير الأندلس في رياستها بمنكب فتجافى لهم عن خطة الحرب ورياسة الغزاة من أهل العدوة من أعياصهم وقبائلهم ومن سواهم من أمم البرابرة وتناقلوه وساهموه في الجباية لفرط العطاء والديوان فبذله لهم واستمدوا على العدو وحسن أثرهم
(١٨٣)