لما رجعت الرسل إلى ابن الأحمر وقد كرمت وفادتهم وقضيت حاجتهم وأحكمت في المواخاة مقاصدهم وقع ذلك من ابن الأحمر أجمل موقع وطار سرورا من أعواده وأجمع الرحلة إلى السلطان لاحكام الود والاستبلاغ في العذر عن واقعة طريف وشأنها واستعدادهم لإغاثة المسلمين ونصرهم من عدوهم فاعتزم على ذلك وأجاز البحر ذا القعدة سنة ثنتين وتسعين واحتل ببنيونش من ساحة سبتة ثم ارتحل إلى طنجة وقدم بين يدي نجواه هدية أتحف بها السلطان كان من أحفلها وأحسنها موقعا لديه فيما زعموا المصحف الكبير أحد مصاحف عثمان بن عفان أحد الأربعة المنبعثة إلى الآفاق المختص هذا منها بالمغرب كما نقله السلف كان بنو أمية يتوارثونه بقرطبة فتلقاه الأمير أبو عامر هنالك وأخوه الأمير أبو عبد الرحمن ابنا السلطان واحتفلا في مبرته ثم جاء السلطان على أثرهما من حضرته لتلقيه وبرور مقدمه ووافاه بطنجة وبلغ في تكرمته وبر وفادته ما يكرم به مثله وبسط ابن الأحمر العذر عن شأن طريف فتجافى السلطان عن العذل وأعرض عنه وقبل منه وبروا حفى ووصل وأجزل ونزله له ابن الأحمر عن الجزيرة ورندة والغربية وعشرين حصنا من ثغور الأندلس كانت من قبل لطاعة صاحب المغرب ونزل عساكره وعاد ابن الأحمر إلى الأندلس خاتم ثنتين وتسعين محبوا محبورا وأجازت عساكر السلطان معه لحصار طريف وعقد على حربها ومنازلتها لوزيره الطائر الذكر عمر بن السعود بن الخرباش الجشمي فنازلها مدة وامتنعت فأفرج عنها وصرف السلطان همته إلى غزو تلمسان وحصارها كما يذكر ان شاء الله تعالى {الخبر عن انتزاء الوزير الوساطي بحصن تازوطا من جهات الريف واستنزال السلطان إياه} كان بنو الوزير هؤلاء رؤساء بنى واطاس ن قبل بنى مرين ويرون ان نسبهم دخيل في بني مرين وأنهم من أعقاب علي بن يوسف بن تاشفين لحقوا بالبدو ونزلوا على بنى واطاس ورسخت فيهم عروقهم حتى لبسوا جلدتهم ولم يزل السرو متربعا بين أعينهم لذلك والرياسة شامخة بأنوفهم وكانوا يرون الفتك بالأمراء من أولاد عبد الحق فلم يطيقوه ولما احتل السعيد بتازى غازيا إلى تلمسان كما ذكرناه ولحق ببلدهم الأمير أبو يحيى بن عبد الحق ائتمروا في الفتك به ونذر بشأنهم فارتحل ففروا إلى غبولة وعين الصفا من بلاد بنى يرناسن وهنالك بلغه خبر مهلك السعيد وكانت بلاد الريف لبنى واطاس من لدن دخول بنى مرين المغرب واقتسامهم لاعماله فكانت ضواحيها لنزلهم وأمصارها ورعاياها لجبايتهم وكان حصن تازوطا بها من أمنع المعاقل بالمغرب وكان الملوك من أولاد عبد الحق يعتنون بشأنه وينزلونه من أوليائهم من يثقون بغنائه
(٢١٧)