ابن أمير المؤمنين يوسف ووليها سنة ست وخمسين على عهد أبيه يوسف بن عبد المؤمن واتصلت أيام ولايته فيها فشيد بناءها وأوسع خطتها وأدار سياج الأسوار عليها ووليها من بعد السيد أبو الحسن بن السيد أبى حفص بن عبد المؤمن وتقبل فيها مذهبه (وما كان) من أمر ابن غانية وخروجه من ميورقة سنة احدى وثمانين ما قدمناه وكبسوا بجاية فملكوها وتخطوا إلى الجزائر ومليانة فغلبوا عليها تلافى السيد أبو الحسن أمره بانعام النظر في تشييد أسوارها والاستبلاغ في تحصينها وسد فرجها وأعماق الحفائر نطاقا عليها حتى صيرها من أعز معاقل المغرب وأحصن أمصاره وتقبل ولاتها هذا المذهب من بعده في المعتصم بها (واتفق من الغرائب) أن أخاه السيد أبا زيد هو الذي دفع لحرب بنى غانية فكان لها في رقع الخرق والمدافعة عن الدولة آثار وكان ابن غانية قد اجتمع إليه ذوبان العرب من الهلاليين بإفريقية وخالفتهم زغبة احدى بطونهم إلى الموحدين وتحيزوا إلى زناتة المغرب الأوسط وكان مفزعهم جميعا ومرجع نقضهم وابرامهم إلى العامل بتلمسان من السادة أبى مثواهم وحامى حقيقتهم وكان ابن غانية كثيرا ما يجلب على ضواحي تلمسان وبلاد زناتة ويطرقها معه من ناعق الفتنة إلى أن خرب كثيرا من أمصارها مثل تاهرت وغيرها فأصبحت تلمسان قاعدة المغرب الأوسط وأم هؤلاء الاحياء من زناتة والمغرب الكافية لهم المهيئة في حجرها مهاد نومهم لما خربت المدينتان اللتان كانتا من قبل قواعد في الدول السالفة والعصور الماضية وهما أرشكول بسيف البحر وتاهرت فيما بين الريف والصحراء من قبلة البطحاء وكان خراب هاتين المدينتين فيما خرب من أمصار المغرب الأوسط فتنة ابن غانية وباجلاب هؤلاء الاحياء من زناتة وطلوعهم على أهلها بسوم الخسف والعيث والنهب وتخطف الناس من السابلة وتخريب العمران ومغالبتهم حاميتها من عساكر الموحدين مثل قصر عجيسة وزرفة والخضراء وشلب ومتيجة وحمزة ومرسي الدجاج الجعبات ولم يزل عمران تلمسان يتزايد وخطتها تتسع الصروح بها بالآجر والفهر تعلى وتشاد إلى أن نزلها آل زيان واخذوها دارا لملكهم وكرسيا لسلطانهم فاختطوا بها القصور المونقة والمنازل الجاملة واغترسوا الرياض والبساتين وأجروا خلالها المياه فأصبحت أعظم أمصار المغرب ورحل إليها الناس من القاصية ونفقت بها أسواق العلوم والصنائع فنشأ بها العلماء واشتهر فيها الاعلام وضاهت أمصار الدول الاسلامية والقواعد الخلافية والله وارث الأرض ومن عليها {الخبر عن استقلال يغمراسن بن زيان بالملك والدولة بتلمسان وما إليها وكيف مهد الامر لقومه وأصاره تراثا لبنيه}
(٧٨)