الثامن: أن لا يكون سفره معصية كالفرار من الزحف، ولا عاصيا بسفره في نفسه كالراكب للدابة المغصوبة في طريق الحج، أوفي غايته كالذي يذهب ليسعى في فساد وإضرار.
والحاصل أن لا يكون مقصوده من السفر حصول ما هو معصية، فلا يضر حصولها فيه اتفاقا، ولا ما هو من لوازم شقاوة النفس وإن استمر مع السفر، كمن يشتغل بالغيبة غالبا، أو بسائر المناهي مع قطع النظر عن السفر.
وأما ما يتوهم من عدم جواز القصر لمن كانت ذمته مشغولة بواجب لا يتمكن منه في السفر، كتحصيل العلم الواجب ونحوه (1)، فهو بعيد، لأنه إنما يتمشى على القول باقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص، وهو خلاف التحقيق.
وجعل الإباق والنشوز وقطع الطريق المخوف من هذا القبيل أبعد، لأن هذه أفعال يقصد بها ما هو معصية، ولكن التارك للتحصيل لا يقصد بسفره ترك التحصيل وإن حصل له ذلك اتفاقا.
وترك الضد وإن سلم كونه من مقدمات المأمور به، ولكن فعله ليس علة لترك الواجب مع وجود الصارف، وإذا انضم إليه عدم القصد أيضا فلا يبقى مجال للإشكال، سيما والقول بكون علة الحرام حراما أيضا ممنوع كوجوب المقدمة.
واعلم أنا نقول باقتضاء الأمر وجوب مقدمته والنهي عن ضده اقتضاءا تبعيا من باب دلالة الإشارة، لكنه ليس من الأحكام الأصلية، بل هو من الخطابات التوصلية... فالوجوب والتحريم فيهما لأجل الغير، والمعصية التي اعتبر كونها موجبة للتمام في السفر هي ما كان العقاب على تركه بالذات، إذ هو المتبادر من المعصية.